قَوْلُهُ تَعَالَى: سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.
قِيلَ: سَلَامٌ هِيَ أَيْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ لَقِيَتْهُ.
وَقِيلَ: سَلَامٌ هِيَ أَيْ كُلُّ أَمْرٍ فِيهَا فَهُوَ سَلَامٌ، وَلَا يُصَابُ أَحَدٌ فِيهَا بِسُوءٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَالْأَوَّلُ جُزْءٌ مِنَ الثَّانِي ; لِأَنَّ الثَّانِيَ يَجْعَلُهَا ظَرْفًا لِكُلِّ خَيْرٍ، وَيَنْفِي عَنْهَا كُلَّ شَرٍّ، وَمِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ، سَلَامُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
لَطِيفَةٌ
كَوْنُ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ هُنَا فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، مُشْعِرٌ بِفَضْلِ اخْتِصَاصِ اللَّيْلِ.
وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ إِلَى نَظَائِرِهِ، فَمِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [17 \ 1] ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [17 \ 79] ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [50 \ 40] ، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [73 \ 6] . وَقَوْلُهُ: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [51 \ 17] .
وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخَرِ يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» الْحَدِيثَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّيْلَ أَخَصُّ بِالنَّفَحَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَبِتَجَلِّيَاتِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، وَذَلِكَ لِخُلُوِّ الْقَلْبِ وَانْقِطَاعِ الشَّوَاغِلِ وَسُكُونِ اللَّيْلِ، وَرَهْبَتُهُ أَقْوَى عَلَى اسْتِحْضَارِ الْقَلْبِ وَصَفَائِهِ.