وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: إِنَّ مَنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَنْطِقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيَعْمَلُ عَلَى جَهَالَةٍ فِيمَا لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ أَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، كَمَا يُخْشَى عَلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَى عِلْمٍ، وَلَكِنْ فِي بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ.

وَمِمَّا يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ. وَلِأَثَرِ حُذَيْفَةَ: «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فَطَفِقَ، فَقَالَ لَهُ: مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مُتَّ عَلَى ذَلِكَ، مُتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومَاتِ، مِثْلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرِي فَهُوَ رَدٌّ» أَيْ: مَرْدُودٌ.

وَحَدِيثُ الْحَوْضِ: «فَيُذَادُ أَقْوَامٌ عَنْ حَوْضِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَاذَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ; إِنَّهُمْ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا» .

وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الِانْتِبَاهَ إِلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ، وَمُوَافَقَتِهِ لِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَكَذَلِكَ الْقِسْمُ الثَّانِي، كَمَا فِي قَوْلِهِ: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ الْآيَةَ [18 \ 103 - 104] .

أَمَّا الرَّاجِحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي زَمَنِ: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ فِي صَبَّةٍ أَهُوَ فِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الْآخِرَةِ؟ فَإِنَّهُ الْقَوْلُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ السِّيَاقِ.

وَلِابْنِ تَيْمِيَّةَ كَلَامٌ جَيِّدٌ جِدًّا فِي هَذَا التَّرْجِيحِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى قَوْلٍ لِغَيْرِهِ أَقْوَى مِنْهُ، نَسُوقُ مُجْمَلَهُ لِلْفَائِدَةِ:

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ: الْحَقُّ هُوَ الثَّانِي لِوُجُوهٍ، وَسَاقَ سَبْعَةَ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَتَعَلَّقُ الظَّرْفُ بِمَا يَلِيهِ، أَيْ: وُجُوهٌ يَوْمَ الْغَاشِيَةِ، خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ صَالِيَةٌ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِقَوْلِهِ: «تَصْلَى» . وَيَكُونُ قَوْلُهُ: «خَاشِعَةٌ» صِفَةً لِلْوُجُوهِ، قَدْ فَصَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْصُوفِ بِأَجْنَبِيٍّ مُتَعَلِّقٍ بِصِفَةٍ أُخْرَى. وَالتَّقْدِيرُ: وُجُوهٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015