قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي فَلْكَةٍ مِثْلَ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ. وَهَكَذَا هُوَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الْفَلَكُ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ. وَمِنْهُ يُقَالُ: تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إِذَا اسْتَدَارَ. قَالَ تَعَالَى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [39 \ 5] ، وَالتَّكْوِيرُ هُوَ التَّدْوِيرُ. وَمِنْهُ قِيلَ: كَارَ الْعِمَامَةَ وَكَوَّرَهَا، وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْأَفْلَاكِ: كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ ; لِأَنَّ أَصْلَ الْكُرَةِ كُورَةٌ - تَحَرَّكَتِ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا.
وَقَالَ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [55 \ 5] مِثْلَ حُسْبَانِ الرَّحَى، وَقَالَ: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [67 \ 3] وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَسْتَدِيرُ مِنْ أَشْكَالِ الْأَجْسَامِ دُونَ الْمُضَلَّعَاتِ مِنَ الْمُثَلَّثِ أَوِ الْمُرَبَّعِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ يَتَفَاوَتُ ; لِأَنَّ زَوَايَاهُ مُخَالِفَةٌ لِقَوَائِمِهِ. وَالْجِسْمُ الْمُسْتَدِيرُ مُتَشَابِهُ الْجَوَانِبِ وَالنَّوَاحِي، لَيْسَ بَعْضُهُ مُخَالِفًا لِبَعْضٍ.
وَجَاءَ فِيهِ قَوْلُهُ أَيْضًا: وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي، مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِمَعْرِفَةِ الْآثَارِ وَالتَّصَانِيفِ الْكِبَارِ، فِي مُتُونِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ السَّمَاءَ عَلَى مِثَالِ الْكُرَةِ، وَأَنَّهَا تَدُورُ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ، كَدَوْرَةِ الْكُرَةِ عَلَى قُطْبَيْنِ ثَابِتَيْنِ غَيْرِ مُتَحَرِّكَيْنِ، أَحَدُهُمَا فِي الشَّمَالِ، وَالْآخَرُ فِي نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ.
قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ جَمِيعَهَا تَدُورُ مِنَ الْمَشْرِقِ تَقَعُ قَلِيلًا عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ فِي حَرَكَتِهَا وَمَقَادِيرِ أَجْزَائِهَا، إِلَى أَنْ تَتَوَسَّطَ السَّمَاءَ، ثُمَّ تَنْحَدِرُ عَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ، فَكَأَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي كُرَةٍ تُدِيرُهَا جَمِيعَهَا دَوْرًا وَاحِدًا.
هَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ أَقْوَالِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي شَكْلِ الْأَفْلَاكِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَحَلُّ الْقَصْدِ بِالذَّاتِ، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ حَرَكَاتِهَا مِنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مِثْلَ الْكُرَةِ.
قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ، لَا يُوجَدُ طُلُوعُهَا وَغُرُوبُهَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بَلْ عَلَى الْمَشْرِقِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ.
قَالَ: فَكُرَةُ الْأَرْضِ مُثَبَّتَةٌ فِي وَسَطِ كُرَةِ السَّمَاءِ، كَالنُّقْطَةِ فِي الدَّائِرَةِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ جِرْمَ كُلِّ كَوْكَبٍ يُرَى فِي جَمِيعِ نَوَاحِي السَّمَاءِ، عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى بُعْدٍ مَا