وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ [76 \ 2] ، الْأَمْشَاجُ: الْأَخْلَاطُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [86 \ 7] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا
بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ هَدَى الْإِنْسَانَ السَّبِيلَ، وَهُوَ بَعْدَ الْهِدَايَةِ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا.
وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ هِدَايَةُ بَيَانٍ وَإِرْشَادٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [41 \ 17] ، كَمَا أَنَّ الْهِدَايَةَ الْحَقِيقِيَّةَ بِخَلْقِ التَّوْفِيقِ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ عَلَى مَنْ شَاءَ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [28 \ 56] .
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، وَمَعْنَى الْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا
بَيَّنَ تَعَالَى نَوْعَ هَذِهِ السَّلَاسِلِ بِذَرْعِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا [69 \ 32] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ
مَادَّةُ يَشْرَبُ تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا، فَيُقَالُ: يَشْرَبُ كَأْسًا بِدُونِ مَجِيءِ «مِنْ» ، وَ «مِنْ» لِلتَّبْعِيضِ وَلِلِابْتِدَاءِ، فَقِيلَ: هِيَ هُنَا لِلِابْتِدَاءِ، وَأَنَّ الْفِعْلَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ، وَهُوَ: يَتَنَعَّمُونَ وَيَرْتَوُونَ كَمَا قَالُوا فِي: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [76 \ 6] . إِذِ الْبَاءُ تَكُونُ لِلْإِرَادَةِ وَلَا إِرَادَةَ هُنَا، فَهُمْ يَتَنَعَّمُونَ بِهَا.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ «مِنْ» لِلتَّبْعِيضِ فِعْلًا، وَأَنَّ شُرْبَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى سَبِيلِ التَّرَفُّهِ وَالتَّلَذُّذِ، وَهِيَ عَادَةُ الْمُتْرَفِينَ الْمُنَعَّمِينَ، يَشْرَبُونَ بَعْضَ الْكَأْسِ لَا كُلَّهُ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَشْرَبُونَ عَنْ ظَمَأٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِآدَمَ: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [20 \ 119] ، وَسَيَأْتِي تَعْدِيَةُ