وَتَسْلِيمٍ فِي صَلَوَاتِنَا، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا، بَلْ وَعِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ مِمَّا لَيْسَ لِغَيْرِهِ قَطُّ.
كَمَا أَنَّ زِيَارَةَ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلدُّعَاءِ لَهُ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ، بَيْنَمَا زِيَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ ; لِيَرُدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ رُوحَهُ فَيَرُدَّ عَلَيْنَا السَّلَامَ.
وَزِيَارَةُ غَيْرِهِ فِي أَيِّ مَكَانٍ مِنَ الْعَالَمِ لَا مَزِيَّةَ لَهُ، بَيْنَمَا زِيَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَسْجِدِهِ وَقَدْ خُصَّ بِمَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ غَيْرُهُ.
وَأَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَوْلَا نِزَاعُ مُعَاصِرِي ابْنِ تَيْمِيَةَ مَعَهُ فِي غَيْرِهَا لَمَا كَانَ لَهَا مَحَلٌّ وَلَا مَجَالٌ.
وَلَكِنَّهُمْ وَجَدُوهَا حَسَّاسَةً وَلَهَا مَسَاسٌ بِالْعَاطِفَةِ، وَمَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَثَارُوهَا وَحَكَمُوا عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ. أَيْ: يُلَازِمُ كَلَامَهُ حِينَمَا قَالَ:
لَا يَكُونُ شَدُّ الرِّحَالِ لِمُجَرَّدِ الزِّيَارَةِ، بَلْ تَكُونُ لِلْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِ الزِّيَارَةِ، عَمَلًا بِنَصِّ الْحَدِيثِ، فَتَقَوَّلُوا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ صَرَاحَةً. وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى النَّفْيِ بَدَلًا مِنَ النَّهْيِ لَكَانَ مُوَافِقًا، أَيْ: لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ زِيَارَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا السَّلَامَ عَلَيْهِ، بَلْ يَجْعَلُهَا مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْقُرُبَاتِ، وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ بِنَصِّ الْحَدِيثِ فِي جَعْلِ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ وَمِنْهُ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كُتُبِهِ.
قَالَ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ وَرُدُودِهِ مَا نَصُّهُ:
فَصْلٌ
قَدْ ذَكَرْتُ فِيمَا كَتَبْتُهُ مِنَ الْمَنَاسِكِ: أَنَّ السَّفَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ وَزِيَارَةَ قَبْرِهِ، كَمَا يَذْكُرُ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَمَلٌ صَالِحٌ مُسْتَحَبٌّ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي عِدَّةِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَسْتَقْبِلُ الْحُجْرَةَ أَمِ الْقِبْلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ: يَسْتَقْبِلُ الْحُجْرَةَ، كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَالصَّلَاةُ تُقْصَرُ فِي هَذَا السَّفَرِ الْمُسْتَحَبِّ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ