ذَلِكَ ; وَلَوْ فُرِضَ وَقُدِّرَ جَدَلًا أَنَّهُ فِي السَّنَدِ مَقَالٌ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ لَا يَمْنَعُونَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ عَقِيدَةٌ، بَلْ كَانَ بَابُ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُونَ الْعَمَلَ بِهِ ; لِأَنَّ بَابَ الْفَضَائِلِ لَا يُشَدَّدُ فِيهِ هَذَا التَّشْدِيدَ.

وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ.

أَمَّا حَدِيثُ إِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ، فَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مَوْضُوعِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الَّذِي نَتَحَدَّثُ عَنْهُ، وَكُلُّ أَسَانِيدِهِ ضَعِيفَةٌ، وَلَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: يَنْدَرِجُ ضِمْنَ مَا يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَهَذَا الْحَثُّ عَلَى أَرْبَعِينَ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، لَعَلَّهُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - مِنْ بَابِ التَّعَوُّدِ وَالتَّزَوُّدِ، لِمَا يُكْسِبُهُ ذَلِكَ الْعَمَلُ مِنْ مُدَاوَمَةٍ، وَحِرْصٍ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فِي الْجَمَاعَةِ، وَاشْتِغَالِهِ الدَّائِمِ بِشَأْنِ الصَّلَاةِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا، حَتَّى لَا تَفُوتَهُ صَلَاةٌ مِمَّا يُعَلِّقُ قَلْبَهُ بِالْمَسْجِدِ، فَتُصْبِحُ الْجَمَاعَةُ لَهُ مَلَكَةً، وَيُصْبِحُ مُرْتَاحًا لِارْتِيَادِ الْمَسْجِدِ، وَحَرِيصًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ فِي بَقِيَّةِ أَيَّامِهِ لَا تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ.

فَلَوْ كَانَ زَائِرًا وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ رَجَعَ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْحَمِيدَةِ، وَلَعَلَّ فِي مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ بِأَلْفٍ تَكُونُ بِمَثَابَةِ الدَّوَاءِ الْمُكَثَّفِ الشَّدِيدِ الْفَعَالِيَةِ، السَّرِيعِ الْفَائِدَةِ، أَكْثَرَ مِمَّا جَاءَ فِي عَامَّةِ الْمَسَاجِدِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا تَفُوتُهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، إِذِ الْأَرْبَعُونَ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ تُعَادِلُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، وَهِيَ تُعَادِلُ حَوَالَيْ صَلَوَاتِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً.

وَلَوْ رَاعَيْنَا أَجْرَ الْجَمَاعَةِ: خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، لَكَانَتْ تُعَادِلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ: خَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، أَيْ: فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ لَا فِي الْعَدَدِ، أَيْ: كَيْفًا لَا كَمًّا، كَمَا قَدَّمْنَا. وَفَضْلُ اللَّهِ عَظِيمٌ.

وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ هُوَ كَمَا أَسْلَفْنَا التَّعَوُّدُ وَالْحِرْصُ عَلَى الْجَمَاعَةِ.

أَمَّا لَوْ رَجَعَ فَتَرَكَ الْجَمَاعَةَ وَتَهَاوَنَ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ غَايَةَ النَّكْسَةِ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ صَلَاةً لَا عَلَاقَةَ لَهَا لَا بِالْحَجِّ وَلَا بِالزِّيَارَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آدَابِ الزِّيَارَةِ فِي سُورَةِ «الْحُجُرَاتِ» .

وَأَنَّ الزِّيَارَةَ تَتِمُّ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015