وَذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ الْقُرْطُبِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ فِي مَتْنِ خَلِيلٍ فِي فَصْلِ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ مَا نَصُّهُ: بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ أَوْ أَخْصَاصٍ لَا خِيَمٍ.
وَفَسَّرَ الشَّارِحُ الِاسْتِيطَانَ بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِقَامَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَلَوْ طَالَتْ، وَجَاءَ فِي الْمَتْنِ بَعْدَهَا قَوْلُهُ: وَلَزِمَتِ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الذَّكَرَ بِلَا عُذْرٍ الْمُتَوَطِّنَ.
وَقَالَ الشَّارِحُ عَلَى كَلِمَةِ مُتَوَطِّنًا: هُوَ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، يَعْنِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الِاسْتِيطَانُ بِبَلَدٍ يُتَوَطَّنُ فِيهِ وَيَكُونُ مَحَلًّا لِلْإِقَامَةِ يُمْكِنُ الشِّرَاءُ فِيهِ، وَإِنْ بَعُدَتْ دَارُهُ مِنَ الْمَنَارَةِ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ، وَلَوْ عَلَى خَمْسَةِ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٍ إِجْمَاعًا، لَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلَا مُقِيمٍ وَلَوْ نَوَى إِقَامَةً زَمَنًا طَوِيلًا إِلَّا تَبَعًا. اهـ. أَيْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ مَا نَصُّهُ: وَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إِلَّا فِي أَبْنِيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمُ الْجُمُعَةُ مِنْ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ تَقُمْ جُمُعَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي أَيَّامِ الْخُلَفَاءِ إِلَّا فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهَا أُقِيمَتْ فِي بَدْوٍ، فَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ إِلَى خَارِجِ الْبَلَدِ فَصَلَّوُا الْجُمُعَةَ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَطَنٍ فَلَمْ تَصِحَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ كَالْبَدْوِ، وَإِنِ انْهَدَمَ الْبَلَدُ فَأَقَامَ أَهْلُهُ عَلَى عِمَارَتِهِ، فَحَضَرَتِ الْجُمُعَةُ لَزِمَهُمْ إِقَامَتُهَا ; لِأَنَّهُمْ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الشَّرْحِ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تُقَامَ فِي أَبْنِيَةٍ مُجْتَمِعَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا شِتَاءً وَصَيْفًا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمُ الْجُمُعَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ أَحْجَارٍ، أَوْ أَخْشَابٍ، أَوْ طِينٍ، أَوْ قَصَبٍ، أَوْ سَعَفٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْبِلَادُ الْكِبَارُ ذَوَاتُ الْأَسْوَاقِ وَالْقُرَى الصِّغَارُ، وَالْأَسْرَابُ الْمُتَّخَذَةُ وَطَنًا، فَإِنْ كَانَتِ الْأَبْنِيَةُ مُتَفَرِّقَةً لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ قَرْيَةً وَيُرْجَعُ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ إِلَى الْعُرْفِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ فَإِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ شِتَاءً وَصَيْفًا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَقَوْلَانِ، ثُمَّ قَالَ: أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ بِقَوْلِهِ لِحَدِيثِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وَلَمْ يُصَلِّ هَكَذَا.