يَقِرَّ فَيَقُولَ: بَلَى. وَقَوْلُهُ: «يَأْنِ» : هُوَ مُضَارِعُ «أَنَى يَأْنَى» إِذَا جَاءَ إِنَّاهُ أَيْ وَقْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
وَلِقَدْ أَنَى لَكَ أَنْ تَنَاهَى طَائِعًا أَوْ تَسْتَفِيقَ إِذَا نَهَاكَ الْمُرْشِدُ فَقَوْلُهُ: أَنَى لَكَ أَنْ تَنَاهَى طَائِعًا، أَيْ جَاءَ الْإِنَاهُ الَّذِي هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي تَتَنَاهَى فِيهِ طَائِعًا، أَيْ حَضَرَ وَقْتُ تَنَاهِيكَ، وَيُقَالُ فِي الْعَرَبِيَّةِ: آنَ يَئِينُ كَبَاعَ يَبِيعُ، وَأَنَى يَأْنِي كَرَمَى يَرْمِي، وَقَدْ جَمَعَ اللُّغَتَيْنِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَمَّا يَئِنْ لِي أَنْ تُجَلَّى عَمَايَتِي ... وَأُقْصِرَ عَنْ لَيْلَى بَلَى قَدْ أَنَى لِيَا
وَالْمَعْنَى عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ حَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَى لَهُمْ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، أَيْ جَاءَ الْحِينُ وَالْأَوَانُ لِذَلِكَ، لِكَثْرَةِ مَا تَرَدَّدَ عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَاجِرِ الْقُرْآنِ وَمَوَاعِظِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ [57 \ 16] ، الْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ «أَنْ» وَصِلَتِهَا فِي مَحِلِّ رَفْعِ فَاعِلٍ بِـ «أَنْ» ، وَالْخُشُوعُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ السُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَالِانْخِفَاضُ، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةَ ذُبْيَانَ:
رَمَادٌ كَكُحْلِ الْعَيْنِ لَأْيًا أُبِينُهُ ... وَنُؤْيٌ كَجَذْمِ الْحَوْضِ أَثَلَمُ خَاشِعُ
فَقَوْلُهُ: «خَاشِعٍ» أَيْ مُنْخَفَضٍ مُطْمَئِنٍ، وَالْخُشُوعُ فِي الشَّرْعِ خَشْيَةٌ مِنَ اللَّهِ تُدَاخِلُ الْقُلُوبَ، فَتَظْهَرُ آثَارُهَا عَلَى الْجَوَارِحِ بِالِانْخِفَاضِ وَالسُّكُونِ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْخَائِفِ.
وَقَوْلُهُ: لِذِكْرِ اللَّهِ، الْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ خُشُوعُ قُلُوبِهِمْ لِأَجْلِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [8 \ 2] ، أَيْ خَافَتْ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، فَالْوَجَلُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ الْأَنْفَالِ هَذِهِ، وَالْخَشْيَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللَّهِ الْقُرْآنُ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [57 \ 16] مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [87 \ 1 - 3] ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ مِرَارًا.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: