الشَّيْطَانُ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ الَّتِي هِيَ الْمَفْعُولُ لِكَثْرَةِ غُرُورِهِ لِبَنِي آدَمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [17 \ 64] .
وَمَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنَّ الشَّيْطَانَ الْكَثِيرَ الْغُرُورِ غَرَّهُمْ بِاللَّهِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ لُقْمَانَ: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [35 \ 5] ، وَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ فَاطِرٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [35 \ 5 - 6] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ لُقْمَانَ وَآيَةِ فَاطِرٍ الْمَذْكُورَتَيْنِ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [10 \ 55] وَتَرْتِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَغُرَّهُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ - دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ مِمَّا يَغُرُّهُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بِالْبَعْثِ لَيْسَ بِحَقٍّ، وَأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ. وَالْغُرُورُ بِالضَّمِّ الْخَدِيعَةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ الْآيَةَ [3 \ 91] ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ.
قَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مُضَارِعٍ فِي الْقُرْآنِ مَجْزُومٌ بِـ «لَمْ» إِذَا تَقَدَّمَتْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا هُنَا - فِيهِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ.
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: هُوَ أَنْ تُقْلَبَ مُضَارَعَتُهُ مَاضَوِيَّةً، وَنَفْيُهُ إِثْبَاتًا، فَيَكُونَ بِمَعْنَى الْمَاضِي الْمُثْبَتِ، لِأَنَّ «لَمْ» حَرْفٌ تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ إِلَى مَعْنَى الْمُضِيِّ، وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ إِنْكَارِيَّةٌ، فِيهَا مَعْنَى النَّفْيِ، فَيَتَسَلَّطُ النَّفْيُ الْكَامِنُ فِيهَا عَلَى النَّفْيِ الصَّرِيحِ فِي «لَمْ» فَيَنْفِيهِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، فَيَرْجِعَ الْمَعْنَى إِلَى الْمَاضِي الْمُثْبَتِ. وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ» أَيْ: آنَ لِلَّذِينِ آمَنُوا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِلتَّقْرِيرِ، وَهُوَ حَمْلُ الْمُخَاطَبِ عَلَى أَنْ