حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ [41 \ 1 - 5] .
فَاحْذَرْ يَا أَخِي وَارْحَمْ نَفْسَكَ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ وَكُنْتَ تَسْمَعُ رَبَّكَ يَقُولُ: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [54 \ 17] ، وَيَقُولُ: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [44 \ 58] .
وَيَقُولُ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [38 \ 29] .
فَلَا تُخْرِجْ نَفْسَكَ مِنْ عُمُومِ أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ الْعُقُولِ ; لِأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ اعْتَرَفْتَ عَلَى نَفْسِكَ أَنَّكَ لَسْتَ مِنْ جُمْلَةِ الْعُقَلَاءِ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَخْلُو الْمُقَلِّدُونَ التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى، مِنْ أحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَلَّا يَلْتَفِتُوا إِلَى نُصْحِ نَاصِحٍ، بَلْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى تَقْلِيدِهِمُ الْأَعْمَى، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ نُورِ الْوَحْيِ عَمْدًا، وَتَقْدِيمِ رَأْيِ الرِّجَالِ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الْقِسْمُ مِنْهُمْ لَا نَعْلَمُ لَهُ عُذْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا أَحَدٍ مِنَ الْقُرُونِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ الْإِعْرَاضُ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَمْدًا مَعَ سُهُولَةِ تَعَلُّمِ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ.
وَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنُهُ وَهُوَ تَامُّ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ قَادِرٌ عَلَى التَّعَلُّمِ فَعَدَمُ عُذْرِهِ كَمَا تَرَى.
الْأَمْرُ الثَّانِي: هُوَ أَنْ يَنْدَمَ الْمُقَلِّدُونَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّفْرِيطِ فِي تَعَلُّمِ الْوَحْيِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيُبَادِرُوا إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَشْرَعُوا فِي ذَلِكَ بِجِدٍّ. تَائِبِينَ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّفْرِيطِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا الْقِسْمُ عَلَى هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي نَدْعُو إِخْوَانَنَا إِلَيْهِ.
التَّنْبِيهُ السَّادِسُ
لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الضَّرُورَةَ لَهَا أَحْوَالٌ خَاصَّةٌ تَسْتَوْجِبُ أَحْكَامًا غَيْرَ