الرِّجَالِ مِنَ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ ; لِأَنَّا لَا قُدْرَةَ لَنَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى نَعْمَلَ بِهِمَا.
وَلَا يُمْكِنُنَا مَعْرِفَةُ شَيْءٍ مِنَ الشَّرْعِ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ الَّذِي نُقَلِّدُهُ ; لِأَنَّا لَمْ نَتَعَلَّمْ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ.
فَإِذَا لَمْ نُقَلِّدْ إِمَامَنَا بَقِينَا فِي حَيْرَةٍ لَا نَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ عِبَادَاتِنَا وَلَا مُعَامَلَاتِنَا، وَتَعَطَّلَتْ بَيْنَنَا الْأَحْكَامُ إِذْ لَا نَعْرِفُ قَضَاءً وَلَا فَتْوَى وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ مَذْهَبِ إِمَامِنَا ; لِأَنَّ أَحْكَامَهُ مُدَوَّنَةٌ عِنْدَنَا وَهِيَ الَّتِي نَتَعَلَّمُهَا وَنَتَدَارَسُهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْآخَرِينَ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ ضَيَّقْتُمْ وَاسِعًا. وَادَّعَيْتُمُ الْعَجْزَ، وَعَدَمَ الْقُدْرَةِ فِي أَمْرٍ سَهْلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحْوَالَ الرَّاهِنَةَ لِلْمُقَلِّدِينَ التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى لِلْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ تَقْتَضِي صُعُوبَةً شَدِيدَةً جِدًّا فِي طَرِيقِ التَّحَوُّلِ مِنَ التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى إِلَى الِاسْتِضَاءَةِ بِنُورِ الْوَحْيِ.
وَذَلِكَ إِنَّمَا نَشَأَ مِنْ شِدَّةِ التَّفْرِيطِ فِي تَعَلُّمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا إِعْرَاضًا كُلِّيًّا يَتَوَارَثُهُ الْأَبْنَاءُ عَنِ الْآبَاءِ، وَالْآبَاءُ عَنِ الْأَجْدَادِ، فَالدَّاءُ الْمُسْتَحْكِمُ مِنْ مِئَاتِ السِّنِينَ لَا بُدَّ لِعِلَاجِهِ مِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ.
وَنَحْنُ لَا نَقُولُ: إِنَّ الْجَاهِلَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَعْمَلُ بِهِمَا بِاجْتِهَادِهِ، بَلْ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ نَقُولَ ذَلِكَ.
وَلَكِنَّا نَقُولُ: إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَجِبُ تَعَلُّمُهُمَا، وَلَا يَجُوزُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُمَا وَأَنَّ كُلَّ مَا عَلِمَهُ الْمُكَلَّفُ مِنْهُمَا عِلْمًا صَحِيحًا نَاشِئًا عَنْ تَعَلُّمٍ صَحِيحٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ، فَالْبَلِيَّةُ الْعُظْمَى إِنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ تَوَارُثِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا إِعْرَاضًا كُلِّيًّا اكْتِفَاءً عَنْهُمَا بِغَيْرِهِمَا، وَهَذَا مِنَ أَعْظَمِ الْمُنْكِرِ وَأَشْنَعِ الْبَاطِلِ.
فَالَّذِي نَدْعُو إِلَيْهِ هُوَ الْمُبَادَرَةُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِمَا بِتَعَلُّمِهِمَا أَوَّلًا ثُمَّ الْعَمَلِ بِهِمَا وَالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا.
وَدَعْوَى أَنَّ تَعَلُّمَهُمَا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، لَا يَشُكُّ فِي بُطْلَانِهَا عَاقِلٌ، وَنُعِيذُ أَنْفُسَنَا وَإِخْوَانَنَا بِاللَّهِ أَنْ يَدَّعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً، وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا يَمْنَعُهُمْ مِنْ فَهْمِ كِتَابِ اللَّهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الْكُفَّارِ لَا قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: