وَمَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَالِمَانِ فَقِيهَانِ، إِذَا سَمِعَا مِنِّي حَقًّا قَبِلَاهُ، وَإِذَا سَمِعَا خَطَأً تَرَكَاهُ، وَأَنْتَ وَذَوُوكَ مَا أَجَبْتُكُمْ بِهِ قَبِلْتُمُوهُ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ: هَذَا وَاللَّهِ هُوَ الدِّينُ الْكَامِلُ، وَالْعَقْلُ الرَّاجِحُ، لَا كَمَنْ يَأْتِي بِالْهَذَيَانِ، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْزِلَ مِنَ الْقُلُوبِ مَنْزِلَةَ الْقُرْآنِ. انْتَهَى مِنْهُ.

التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ

اعْلَمْ أَنَّ الْمُقَلِّدِينَ لِلْأَئِمَّةِ هَذَا التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى قَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَإِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ; لِأَنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ.

وَلَا يَجُوزُ الْبَتَّةَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَوْلِهِ: هَذَا الْحُكْمُ قَالَهُ الْإِمَامُ الَّذِي قَلَّدْتُهُ أَوْ أَفْتَى بِهِ.

أَمَّا دَلَالَةُ الْقُرْآنِ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [10 \ 59] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [16 \ 116] ، وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ، لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا، وَأَوْضَحْنَا أَدِلَّتَهُ مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ.

وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْمُقَلِّدَ الَّذِي يَقُولُ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ قَطْعًا.

فَهُوَ دَاخِلٌ بِلَا شَكٍّ فِي عُمُومِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [7 \ 33] .

فَدُخُولُهُ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ كَمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015