وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ مَعَ إِعْلَامِهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ؛ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ، وَيَحْتَاطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا تُقَلِّدْنِي، وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا، وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ، وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا.
وَقَالَ: مِنْ قِلَّةِ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ دِينَهُ الرِّجَالَ.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَقَالَتَنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنَ أَيْنَ قُلْنَا.
وَقَدْ صَرَّحَ مَالِكٌ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَرَكَ قَوْلَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِقَوْلِ مَنْ هُوَ دُونَ إِبْرَاهِيمَ أَوْ مِثْلُهُ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ نَهَوْا عَنْ تَقْلِيدِهِمْ فِي كُلِّ مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ أَصْحَابُهُمْ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَكُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ: إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي.
وَكُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا.
وَكَذَلِكَ كَانَ غَيْرُهُمْ مَنْ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ يَمْنَعُونَ مِنْ تَقْلِيدِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوَافِقِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَدْ يَتَحَفَّظُونَ مِنْهُ وَلَا يَرْضَوْنَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَامِعِهِ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ فِي أَخْبَارِ سَحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَحْنُونَ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، وَغَيْرُهُمْ يَخْتَلِفُونَ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ، فَكَانَ إِذَا سَأَلَهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ أَجَابَهُمَا.
وَإِذَا سَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ وَذَوُوهُ لَمْ يُجِبْهُمْ فَقَالَ لَهُ: يَسْأَلُكَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فَتُجِيبُهُمَا، وَأَسْأَلُكُ أَنَا وَذَوِيَّ فَلَا تُجِيبُنَا؟ فَقَالَ: أَوَقَعَ ذَلِكَ يَا ابْنَ أَخِي فِي قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي فِي عَقْلِي مِثْلُ الَّذِي خَالَطَنِي فِي بَدَنِي،