وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَقْلِيدِ الزَّوْجِ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي يَهْدِينَ إِلَيْهِ زَوْجَتَهُ، وَجَوَازِ وَطْئِهَا تَقْلِيدًا لَهُنَّ فِي كَوْنِهَا هِيَ زَوْجَتُهُ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى يُقَلِّدُ فِي الْقِبْلَةِ، وَعَلَى تَقْلِيدِ الْأَئِمَّةِ فِي الطَّهَارَةِ، وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَمَا يَصِحُّ بِهِ الِاقْتِدَاءُ، وَعَلَى تَقْلِيدِ الزَّوْجَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً أَنَّ حَيْضَهَا قَدِ انْقَطَعَ فَيُبَاحُ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا بِالتَّقْلِيدِ.
وَيُبَاحُ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا بِالتَّقْلِيدِ لَهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَعَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ النَّاسِ لِلْمُؤَذِّنِينَ فِي دُخُولِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الِاجْتِهَادُ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ.
وَقَدْ قَالَتِ الْأَمَةُ السَّوْدَاءُ لِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَرْضَعْتُكَ وَأَرْضَعْتُ امْرَأَتَكَ، فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِرَاقِهَا، وَتَقْلِيدِهَا فِيمَا أَخْبَرَتْهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ، فَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ الَّذِي قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ وَأَنْتَ تَرَى تَحْرِيمَهُ فَلَا تَنْهَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَجُوزُ لِلْعَالِمِ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّقْلِيدِ، فَقَالَ: فِي الضَّبْعِ بَعِيرٌ، قُلْتُهُ تَقْلِيدًا لِعُمْرَ.
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ، قُلْتُهُ تَقْلِيدًا لِعُثْمَانَ.
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْجِدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ إِنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْتُ بِقَوْلِ زِيدٍ. وَعَنْهُ قَبِلْنَا أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ.
قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ الْجَدِيدِ: قُلْتُهُ تَقْلِيدًا الْعَطَاءَ.
وَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسَائِلِ الْآبَارِ لَيْسَ مَعَهُ فِيهَا إِلَّا تَقْلِيدُ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ التَّابِعَيْنِ فِيهَا.
وَهَذَا مَالِكٌ لَا يَخْرُجُ عَنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيُصَرِّحُ فِي مُوَطَّئِهِ بِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْعَمَلَ عَلَى هَذَا، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.