وَقَدْ مَنَعَ عُمَرُ عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَتَبِعَهُ الصَّحَابَةُ.

وَأَلْزَمَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَتَبِعُوهُ أَيْضًا.

وَاحْتَلَمَ مَرَّةً، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: خُذْ ثَوْبًا غَيْرَ ثَوْبِكَ، فَقَالَ: لَوْ فَعَلْتُهَا صَارَتْ سُنَّةً.

وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ: مَا اسْتَبَانَ لَكَ فَاعْمَلْ بِهِ، وَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ.

وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يُفْتُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَهَذَا تَقْلِيدٌ لَهُمْ قَطْعًا ; إِذْ قَوْلُهُمْ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [9 \ 122] ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ قَبُولَ مَا أَنْذَرُوهُمْ بِهِ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ، وَهَذَا تَقْلِيدٌ مِنْهُمْ لِلْعُلَمَاءِ.

وَصَحَّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ خَلِيلًا» فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَقْلِيدِهِ لَهُ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَذَلِكَ تَقْلِيدٌ لَهُ.

وَجَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِقَبُولِ قَوْلِ الْقَائِفِ، وَالْخَارِصِ وَالْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ لِلْمُتْلَفَاتِ، وَغَيْرِهَا وَالْحَاكِمِينَ بِالْمِثْلِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَذَلِكَ تَقْلِيدٌ مَحْضٌ.

وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمُتَرْجِمِ وَالرَّسُولِ وَالْمُعَرِّفِ وَالْمُعَدِّلِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ، وَذَلِكَ تَقْلِيدٌ مَحْضٌ لِهَؤُلَاءِ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ شِرَاءِ اللُّحْمَانِ، وَالثِّيَابِ وَالْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ عَنْ أَسْبَابِ حِلِّهَا، وَتَحْرِيمِهَا اكْتِفَاءً بِتَقْلِيدِ أَرْبَابِهَا.

وَلَوْ كُلِّفَ النَّاسُ كُلُّهُمُ الِاجْتِهَادَ وَأَنْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ فُضَلَاءَ لَضَاعَتْ مَصَالِحُ الْعِبَادِ، وَتَعَطَّلَتِ الصَّنَائِعُ وَالْمَتَاجِرُ، وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عُلَمَاءَ مُجْتَهِدِينَ، وَهَذَا مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ شَرْعًا، وَالْقَدَرُ قَدْ مَنَعَ مِنْ وُقُوعِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015