وَلِقَدْ أَصَابَ مَنْ قَالَ:

شَمِّرْ وَكُنْ فِي أُمُورِ الدِّينِ مُجْتَهِدًا ... وَلَا تَكُنْ مِثْلَ عِيرٍ قِيدَ فَانْقَادَا

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ الْإِمَّعَةِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَدْعُو الْإِمَّعَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي يُدْعَى إِلَى الطَّعَامِ فَيَذْهَبُ مَعَهُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ فِيكُمُ الْيَوْمَ الْمُحْقِبُ دِينَهُ الرِّجَالَ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: وَيْلٌ لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ، قِيلَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يَقُولُ الْعَالِمُ شَيْئًا بِرَأْيِهِ ثُمَّ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَيَتْرُكُ قَوْلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ تَمْضِي الْأَتْبَاعُ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُسْتَغْنَى عَنِ الْإِسْنَادِ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمْ: يَا كُمَيْلُ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ، فَخَيْرُهَا أَوَعَاهَا لِلْخَيْرِ، وَالنَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رِعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ، إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ.

وَفِيهِ: أُفٌّ لِحَامِلِ حَقٍّ لَا يُصَيِّرُهُ لَهُ، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ، لَا يَدْرِي أَيْنَ الْحَقُّ، إِنْ قَالَ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يَدْرِ، مَشْغُوفٌ بِمَا لَا يَدْرِي حَقِيقَتَهُ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ، وَإِنَّ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَنْ عَرَّفَهُ اللَّهُ دِينَهُ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ لَا يَعْرِفَ دِينَهُ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقَلِّدَ غَيْرَهُ تَقْلِيدًا أَعْمَى يَدْخُلُ فِيمَا ذَكَرَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي عَنْ دِينِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا أَنَّ الْإِمَامَ الْفُلَانِيَّ عَمِلَ بِهَذَا.

فَعِلْمُهُ مَحْصُورٌ فِي أَنَّ مَنْ يُقَلِّدُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ ذَهَبَ إِلَى كَذَا وَلَا يَدْرِي أَمُصِيبٌ هُوَ فِيهِ أَمْ مُخْطِئٌ.

وَمِثْلُ هَذَا لَمْ يَسْتَضِئْ بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَأْ إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ لِجَوَازِ الْخَطَأِ عَلَى مَتْبُوعِهِ، وَعَدَمِ مَيْزِهِ هُوَ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَامِعِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:

أَلَّا لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلًا إِنْ آمَنَ آمَنَ وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ فِي الشَّرِّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015