الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ يَهْدِمْنَ الدِّينَ: زَلَّةُ عَالَمٍ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ.
ثُمَّ ذَكَرَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْحُسْنِ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّ فِيمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ زَلَّةَ الْعَالِمِ، وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ حَقٌّ وَعَلَى الْقُرْآنِ مَنَارٌ كَأَعْلَامِ الطَّرِيقِ.
ثُمَّ أَخْرَجَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ كُلَّ يَوْمٍ، قَلَّمَا يُخْطِئُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ: «اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ، إِنَّ وَرَاءَكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ، وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ حَتَّى يَقْرَأَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ، وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ، وَالْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ فَيُوشِكُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقُولَ: قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ، فَمَا أَظُنُّ أَنْ يَتْبَعُونِي حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ، فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِيَّاكُمْ وَزَيْغَةَ الْحَكِيمِ» إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ زَلَّةَ الْعَالِمِ مِنْ أَخْوَفِ الْمَخَاوِفِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَإِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يُقَلِّدُ الْعَالِمَ تَقْلِيدًا أَعْمَى يُقَلِّدُهُ فِيمَا زَلَّ فِيهِ فَيَتَقَوَّلُ عَلَى اللَّهِ أَنَّ تِلْكَ الزَّلَّةَ الَّتِي قَلَّدَ فِيهَا الْعَالِمَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَأَنَّهَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَرَسُولُهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ هُوَ مُرَادُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَمُرَادُنَا أَيْضًا بِإِيرَادِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَامِعِهِ مَا نَصُّهُ: وَشَبَّهَ الْحُكَمَاءُ زَلَّةَ الْعَالِمِ بِانْكِسَارِ السَّفِينَةِ، لِأَنَّهَا إِذَا غَرِقَتْ غَرِقَ مَعَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ.
وَإِذَا صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّ الْعَالِمَ يَزِلُّ وَيُخْطِئُ، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ وَيَدِينَ بِقَوْلٍ لَا يَعْرِفُ وَجْهَهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، ثُمَّ سَاقَ السَّنَدَ إِلَى أَنْ قَالَ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا وَلَا تَغْدُ إِمَّعَةً فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ.
ثُمَّ سَاقَ الرِّوَايَاتِ فِي تَفْسِيرِهِمُ الْإِمَّعَةَ، وَمَعْنَى الْإِمَّعَةِ مَعْرُوفٌ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صَحَاحِهِ: يُقَالُ الْإِمَّعُ وَالْإِمَّعَةُ أَيْضًا لِلَّذِي يَكُونُ لِضَعْفِ رَأْيِهِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَكُونَنَّ أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً. انْتَهَى مِنْهُ.