وَيَقُولُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [31 \ 20 - 21] .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاجْتِهَادِ.

اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّا قَدَّمْنَا بُطْلَانَ قَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ بِمَنْعِ الِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ مَا هُوَ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ الْكَرِيمِ، وَبَسَطْنَا أَدِلَّةَ ذَلِكَ بِإِيضَاحٍ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ الْآيَةَ [21 \ 78] .

وَبَيَّنَّا طَرَفًا مِنْهُ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [17 \ 36] ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

وَغَرَضُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ وَانْتِفَاعَ مُتَدَبِّرِهِ بِالْعَمَلِ بِمَا عَلِمَ مِنْهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْصِيلِ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ بِشُرُوطِهِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ.

اعْلَمْ أَوَّلًا: أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِمَنْعِ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُطْلَقًا إِلَّا لِلْمُجْتَهِدِينَ، يَقُولُونَ: إِنَّ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ هِيَ كَوْنُ الْمُجْتَهِدِ بَالِغًا، عَاقِلًا شَدِيدَ الْفَهْمِ.

طَبْعًا عَارِفًا بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، الَّذِي هُوَ اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، حَتَّى يَرِدُ نَقْلٌ صَارِفٌ عَنْهُ.

عَارِفًا بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِالنَّحْوِ مِنْ صَرْفٍ وَبَلَاغَةٍ مَعَ مَعْرِفَةِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ.

وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ فَنِّ الْمَنْطِقِ كَشَرَائِطِ الْحُدُودِ، وَالرُّسُومِ، وَشَرَائِطِ الْبُرْهَانِ.

عَارِفًا بِالْأُصُولِ، عَارِفًا بِأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015