وَأَمَّا الْآيَةُ الشَّرْعِيَّةُ الدِّينِيَّةُ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا أَيْضًا مِنَ الْآيَةِ الَّتِي هِيَ الْعَلَامَةُ ; لِأَنَّ آيَاتِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ - عَلَامَاتٌ عَلَى صِدْقِ مَنْ جَاءَ بِهَا، لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ بُرْهَانِ الْإِعْجَازِ، أَوْ لِأَنَّ فِيهَا عَلَامَاتٍ يُعْرَفُ بِهَا مَبْدَأُ الْآيَاتِ وَمُنْتَهَاهَا.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا مِنَ الْآيَةِ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ، لِتَضَمُّنِهَا جُمْلَةً وَجَمَاعَةً مِنْ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ وَحُرُوفِهِ.

وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ أَصْلَ الْآيَةِ أَيَيَةٌ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْيَاءَيْنِ بَعْدَهَا - فَاجْتَمَعَ فِي الْيَاءَيْنِ مُوجِبَا إِعْلَالٍ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَحَرِّكَةٌ حَرَكَةً أَصْلِيَّةً بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلٍ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ بِتَحْرِيكِ أُصِلْ ... أَلِفًا أَبْدِلْ بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ

إِنْ حُرِّكَ التَّالِي. . . ... . . . . . . . . إِلَخْ.

وَالْمَعْرُوفُ فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ أَنَّهُ إِنِ اجْتَمَعَ مُوجِبَا إِعْلَالٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَكْثَرُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَإِعْلَالُ الثَّانِي بِإِبْدَالِهِ أَلِفًا، كَالْهَوَى وَالنَّوَى وَالطَّوَى وَالشَّوَى، وَرُبَّمَا صُحِّحَ الثَّانِي وَأُعِلَّ الْأَوَّلُ، كَغَايَةٍ وَرَايَةٍ، وَآيَةٍ - عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَقْوَالٍ عَدِيدَةٍ - وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِعْلَالَهُمَا لَا يَصِحُّ، وَلِهَذَا أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الْإِعْلَالُ اسْتُحِقْ ... صُحِّحَ أَوَّلٌ وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقْ

قَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنَّ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.

مَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَبِآيَاتِ اللَّهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ مَعَ ظُهُورِ الْأَدِلَّةِ وَالْبَرَاهِينِ عَلَى لُزُومِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ ; أَنَّهُ يُسْتَبْعَدُ أَنْ يُؤْمِنَ بِشَيْءٍ آخَرَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُؤْمِنُ بِحَدِيثٍ لَآمَنَ بِاللَّهِ وَبِآيَاتِهِ ; لِظُهُورِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ اللَّهِ مُتَوَعَّدٌ بِالْوَيْلِ، وَأَنَّهُ أَفَّاكٌ أَثِيمٌ، وَالْأَفَّاكُ: كَثِيرُ الْإِفْكِ، وَهُوَ أَسْوَأُ الْكَذِبِ، وَالْأَثِيمُ: هُوَ مُرْتَكِبُ الْإِثْمِ بِقَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، فَهُوَ مُجْرِمٌ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ - قَدْ ذَكَرَهُ - تَعَالَى - فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَتَوَعَّدَ الْمُكَذِّبِينَ لِهَذَا الْقُرْآنِ بِالْوَيْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبَيَّنَ اسْتِبْعَادَ إِيمَانِهِمْ بِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْمُرْسَلَاتِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015