وَعَلَا هُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ هُدَاهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ الْآيَةَ [16 \ 37] ، وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [5 \ 41] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.
وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، جَاءَ مَعْنَاهُ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [53 \ 30] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [16 \ 125] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا سَابِقًا أَنَّ الْهُدَى الْمَنْفِيَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، هُوَ هُدَى التَّوْفِيقِ ; لِأَنَّ التَّوْفِيقَ بِيَدِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ الْهُدَى الْمُثْبَتَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [42 \ 52] ، هُوَ هُدَى الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْإِرْشَادِ إِلَيْهِ، وَنُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، فِي أَبِي طَالِبٍ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْكَهْفِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ الْآيَةَ [18 \ 1] .
قَوْلُهُ تَعَالَى كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [55 \ 26 \ 27] ، وَالْوَجْهُ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا مَعَ التَّنْزِيهِ التَّامِّ عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» ، وَفِي غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [18 \ 26] ، وَقَدْ تَرَكْنَا ذِكْرَ إِحَالَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي سُورَةِ «الْقَصَصِ» ، هَذِهِ.