الْمُنْسَبِكُ مِنْ قَوْلِهِ: أَلَّا يَسْجُدُوا يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ عَدَمُ السُّجُودِ إِلَّا إِذَا اعْتُبِرَتْ لَفْظَةُ (لَا) زَائِدَةً، وَقَدْ أَشَرْنَا فِي سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [7 \ 12] إِلَى أَنَّا أَوْضَحْنَا الْكَلَامَ عَلَى زِيَادَةِ (لَا) لِتَوْكِيدِ الْكَلَامِ فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» ، فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْبَلَدِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [90 \ 1] وَسَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ كَلَامِنَا فِيهِ هُنَا.
فَقَدْ قُلْنَا فِيهِ: الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّ (لَا) هُنَا صِلَةٌ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهَا رُبَّمَا لَفَظَتْ بِلَفْظَةِ لَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ بَلْ لِمُجَرَّدِ تَقْوِيَةِ الْكَلَامِ وَتَوْكِيدِهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي [20 \ 92 - 93] يَعْنِي أَنْ تَتَّبِعَنِي، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ، أَيْ: أَنْ تَسْجُدَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «ص» : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [38 \ 75] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [57 \ 29] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ الْآيَةَ [4 \ 65] أَيْ: فَوَرَبِّكَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ [41 \ 34] أَيْ: وَالسَّيِّئَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [21 \ 95] عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ [6 \ 109] عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا الْآيَةَ [6 \ 151] عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْمَاضِيَةِ ; وَكَقَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:
فَمَا أَلُومُ الْبِيضَ أَلَّا تَسْخَرَا ... لِمَا رَأَيْنَ الشَّمْطَ الْقَفَنْدَرَ
يَعْنِي: أَنْ تَسْخَرَ، وَقَوْلِ الْآخَرِ:
وَتَلْحِينُنِي فِي اللَّهْوِ أَلَّا أُحِبَّهُ ... وَلِلَّهْوِ دَاعٍ دَائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ
يَعْنِي: أَنْ أُحِبَّهُ، وَ (لَا) زَائِدَةٌ. وَقَوْلِ الْآخَرِ:
أَبَى جُودُهُ لَا الْبُخْلَ وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ ... نَعَمْ مِنْ فَتًى لَا يَمْنَعُ الْجُوعَ قَاتِلَهْ
يَعْنِي: أَبَى جُودُهُ الْبُخْلَ، وَلَا زَائِدَةٌ عَلَى خِلَافٍ فِي زِيَادَتِهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ الْأَخِيرِ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى رِوَايَةِ الْبُخْلِ بِالْجَرِّ ; لِأَنَّ لَا عَلَيْهَا مُضَافٌ بِمَعْنَى لَفْظَةِ لَا، فَلَيْسَتْ زَائِدَةً عَلَى رِوَايَةِ الْجَرِّ، وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: