حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَرَأَ خَوَاتِمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [2 \ 286] قَالَ اللَّهُ: «قَدْ فَعَلْتُ» فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الرُّخْصَةُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ فِيهِ، وَصَلَاةُ الْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ قَاعِدًا وَإِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ لِلضَّرُورَةِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ الْآيَةَ [6 \ 119] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَا مَعَهَا مِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ، وَالتَّخْفِيفِ فِي شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هُوَ إِحْدَى الْقَوَاعِدِ الْخَمْسِ، الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ وَهِيَ هَذِهِ الْخَمْسُ.
الْأُولَى: الضَّرَرُ يُزَالُ وَمِنْ أَدِلَّتِهَا حَدِيثُ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» .
الثَّانِيَةُ: الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ: وَهِيَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ هُنَا وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [22 \ 78] وَمَا ذَكَرْنَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْآيَاتِ.
الثَّالِثَةُ: لَا يُرْفَعُ يَقِينٌ بِشَكٍّ، وَمِنْ أَدِلَّتِهَا حَدِيثُ «مَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ فِي دُبُرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَشُمَّ رِيحًا» ; لِأَنَّ تِلْكَ الطَّهَارَةَ الْمُحَقَّقَةَ لَمْ تُنْقَضْ بِتِلْكَ الرِّيحِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا.
الرَّابِعَةُ: تَحْكِيمُ عُرْفِ النَّاسِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ فِي صِيَغِ عُقُودِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاسْتَدَلَّ لِهَذِهِ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ الْآيَةَ [7 \ 199] .
الْخَامِسَةُ: الْأُمُورُ تَبَعُ الْمَقَاصِدِ، وَدَلِيلُ هَذِهِ حَدِيثُ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ أَشَارَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» فِي كِتَابِ الِاسْتِدْلَالِ إِلَى هَذِهِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ بِقَوْلِهِ:
قَدْ أُسِّسَ الْفِقْهُ عَلَى رَفْعِ الضَّرَرِ ... وَأَنَّ مَا يَشُقُّ يَجْلِبُ الْوَطَرَ
وَنَفَى رَفْعَ الْقَطْعِ بِالشَّكِّ وَأَنْ ... يَحْكُمُ الْعُرْفُ وَزَادَ مَنْ فَطِنَ
كَوْنُ الْأُمُورِ تَبَعَ الْمَقَاصِدِ ... مَعَ التَّكَلُّفِ بِبَعْضِ وَارِدِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي دِينِكُمْ مِنْ ضِيقٍ، كَمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْرَبَهُ بَعْضُهُمْ مَنْصُوبًا بِمَحْذُوفٍ أَيِ: الْزَمُوا مِلَّةَ