قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، بَيَّنَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ يَصْطَفِي، أَيْ: يَخْتَارُ رُسُلًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنَ النَّاسِ فَرُسُلُ النَّاسِ لِإِبْلَاغِ الْوَحْيِ، وَرُسُلُ الْمَلَائِكَةِ لِذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ يُرْسِلُهُمْ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنَ اصْطِفَائِهِ الرُّسُلَ مِنْهُمَا جَاءَ وَاضِحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ فِي رُسُلِ الْمَلَائِكَةِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ الْآيَةَ [35 \ 1] .
وَقَوْلِهِ فِي جِبْرِيلَ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [81 \ 19] وَمِنْ ذِكْرِهِ إِرْسَالَ الْمَلَائِكَةِ بِغَيْرِ الْوَحْيِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ [6 \ 61] وَكَقَوْلِهِ فِي رُسُلِ بَنِي آدَمَ: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [6 \ 124] وَقَوْلِهِ: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْآيَةَ [2 \ 253] ، وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا الْآيَةَ [16 \ 36] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ اجْتَبَاكُمْ، أَيِ: اصْطَفَاكُمْ، وَاخْتَارَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ الْآيَةَ [3 \ 110] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، الْحَرَجُ: الضِّيقُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ هَذِهِ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ، لَا عَلَى الضِّيقِ وَالْحَرَجِ، وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ فِيهَا الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [2 \ 185] وَقَوْلِهِ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [4 \ 28] وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ