40

لِقُدْرَتِهِ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ بِمَا شَاءَ، وَنُصْرَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ بِإِهْلَاكِهِ إِيَّاهُمْ، وَلَكِنَّهُ شَرَعَ الْجِهَادَ لِحِكَمٍ مِنْهَا: اخْتِبَارُ الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ، وَغَيْرِ الصَّادِقِ فِيهِ، وَمِنْهَا تَسْهِيلُ نَيْلِ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ لِشُهَدَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا حَصَّلَ أَحَدٌ فَضْلَ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَا أَشَارَ تَعَالَى إِلَى حِكْمَةِ اخْتِبَارِ الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ وَغَيْرِهِ بِالْجِهَادِ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [47 \ 4] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ الْآيَةَ [3 \ 179] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [9 \ 16] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [3 \ 142] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [47 \ 31] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حِكْمَةِ الِابْتِلَاءِ الْمَذْكُورِ، وَتَسْهِيلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِهِ: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [3 \ 140 - 141] وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ نَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ: «أُذِنَ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيْ: أَذِنَ اللَّهُ لِلَّذِينِ يُقَاتَلُونَ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ: «يُقَاتَلُونَ» بِفَتْحِ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، تَقَدَّمَ مَا يُوَضِّحُ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ «بَرَاءَةٌ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [9 \ 74] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، بَيَّنَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ أَقْسَمَ لَيَنْصُرَنَّ مَنْ يَنْصُرُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَصْرَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ بِاتِّبَاعِ مَا شَرَّعَهُ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَنُصْرَةِ رُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَنُصْرَةِ دِينِهِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ وَقَهْرِهِمْ حَتَّى تَكُونَ كَلِمَتُهُ - جَلَّ وَعَلَا - هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ أَعْدَائِهِ هِيَ السُّفْلَى، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - بَيَّنَ صِفَاتِ الَّذِينَ وَعَدَهُمْ بِنَصْرِهِ لِتَمْيِيزِهِمْ عَنْ غَيْرِهِمْ فَقَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015