وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَذَاهِبُهُمْ وَأَدِلَّتُهَا.

فَذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابُهُ: إِلَى أَنَّ الْمُجْزِئَ فِي الضَّحِيَّةِ: جَذَعُ الضَّأْنِ، وَثَنِيُّ الْمَعْزِ وَالْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ. وَجَذَعُ الضَّأْنِ عِنْدَهُمْ: هُوَ مَا أَكْمَلَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَثَنِيُّ الْمَعْزِ عِنْدَهُمْ: هُوَ مَا أَكْمَلَ سَنَةً، وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ دُخُولًا بَيِّنًا، فَالدُّخُولُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، دُخُولًا بَيِّنًا هُوَ الْفَرْقُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ جَذَعِ الضَّأْنِ، وَثَنِيِّ الْمَعْزِ.

وَدَلِيلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ فِي سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ جَذَعَ الضَّأْنِ عِنْدَهُمْ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَذَعَةِ الضَّأْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَى إِجْزَائِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَأَنَّ الثَّنِيَّ إِجْزَاؤُهُ مُطْلَقٌ، وَتَحْدِيدُهُمْ لَهُ فِي الْمَعْزِ بِمَا دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ دُخُولًا بَيِّنًا مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، وَالثَّنِيُّ عِنْدَهُمْ مِنَ الْبَقَرِ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ وَالْأُنْثَى وَالذَّكَرُ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ. وَالثَّنِيُّ عِنْدَهُمْ مِنَ الْإِبِلِ: ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الذُّكُورَةَ، وَالْأُنُوثَةَ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا، وَصْفَانِ طَرْدِيَّانِ، لَا أَثَرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحُكْمِ، فَهُمَا سَوَاءٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الثَّنِيَّ مِنَ الْبَقَرِ: ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ابْنُ ثَلَاثٍ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَالثَّنِيُّ مِنَ الْإِبِلِ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ابْنُ خَمْسٍ، وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ، فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرٌ. . . سَلَّمْنَا أَنَّ جَذَعَةَ الضَّأْنَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْجَذَعِ الذَّكَرِ ; لِأَنَّ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَصْفَانِ طَرْدِيَّانِ، لَا أَثَرَ لَهُمَا فِي الْحُكْمِ.

وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَذَعَةَ الضَّأْنِ الْأُنْثَى الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ، لَا يَذْبَحُهَا، إِلَّا مَنْ تَعَسَّرَتْ عَلَيْهِ الْمُسِنَّةُ، الَّتِي هِيَ الثَّنِيَّةُ ; لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» .

فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَذَعَةَ مِنَ الضَّأْنِ: لَا تُجْزِئُ إِلَّا عِنْدَ تَعَسُّرِ الْمُسِنَّةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَذَعَ الذَّكَرَ مِنَ الضَّأْنِ: لَا يُجْزِئُ سَوَاءً عَسُرَ وُجُودُ الْمُسِنَّةِ، أَوْ لَمْ يَعْسُرْ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفُوا ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالزُّهْرِيِّ: مِنْ أَنَّ الْجَذَعَ الذَّكَرَ مِنَ الضَّأْنِ: لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا ; لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ هَذَا مَا نَصُّهُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَمَا فَوْقَهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ غَيْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015