الْوُجُوبِ، وَبَيَّنَّا أَدِلَّةَ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَرَجَّحْنَاهُ بِالْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ الْوَاضِحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ الْآيَةَ [24 \ 63] . وَقَوْلُهُ: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [20 \ 93] ، فَسَمَّى مُخَالَفَةَ الْأَمْرِ مَعْصِيَةً، وَقَوْلُهُ: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ الْآيَةَ [33 \ 36] ، فَجَعَلَ أَمْرَهُ وَأَمْرَ رَسُولِهِ مَانِعًا مِنَ الِاخْتِيَارِ، مُوجِبًا لِلِامْتِثَالِ، وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمُ "، الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَا، وَحَدِيثُ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ: " مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ "، وَصِيغَةُ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ فِي حَدِيثِهِ وَاضِحَةٌ، كَمَا بَيَّنَّا دَلَالَتَهَا عَلَى الْوُجُوبِ آنِفًا.

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَزِيدُ، (ح) وَثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، ثَنَا بِشْرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَامِرٍ أَبِي رَمْلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ: الَّتِي يَقُولُ عَنْهَا النَّاسُ: الرَّجَبِيَّةُ " انْتَهَى مِنْهُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ ; لِأَنَّ أَبَا رَمْلَةَ مَجْهُولٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَجْهُولٌ. قَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ ": عَامِرٌ أَبُو رَمْلَةَ شَيْخٌ لِابْنِ عَوْنٍ لَا يُعْرَفُ انْتَهَى مِنْهُ. وَقَالَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ فِي " الْمِيزَانِ ": عَامِرٌ أَبُو رَمْلَةَ شَيْخٌ لِابْنِ عَوْنٍ فِيهِ جَهَالَةٌ لَهُ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أُضْحِيَّةً، وَعَتِيرَةً ". قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَصَدَّقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ لِجَهَالَةِ عَامِرٍ، رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَوْنٍ انْتَهَى مِنْهُ.

وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ "، فِي حَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ، خِلَافَ التَّحْقِيقِ كَمَا تَرَى. وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْعَتِيرَةُ: مَنْسُوخَةٌ هَذَا خَبَرٌ مَنْسُوخٌ انْتَهَى مِنْهُ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنِ النَّاسِخَ، وَلَا دَلِيلَ النَّسْخِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ; لِأَنَّ أَبَا رَمْلَةَ مَجْهُولٌ كَمَا رَأَيْتَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ.

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى وُجُوبِهَا: مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015