الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ إِهْمَالِ السَّائِبَةِ وَالْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا عِنْدِي فِي رُكُوبِ الْهَدْيِ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ: هُوَ أَنَّهُ إِنْ دَعَتْهُ ضَرُورَةٌ لِذَلِكَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا ; لِأَنَّ أَخَصَّ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَأَصْرَحُهَا فِيهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا ". وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا " اهـ. فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ التَّصْرِيحُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ رُكُوبَ الْهَدْيِ إِنَّمَا يَجُوزُ بِالْمَعْرُوفِ، إِذَا أَلْجَأَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ، فَإِنْ زَالَتِ الضَّرُورَةُ بِوُجُودِ ظَهْرٍ يَرْكَبُهُ غَيْرِ الْهَدْيِ تَرَكَ رُكُوبَ الْهَدْيِ، فَهَذَا الْقَيْدُ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ تُقَيَّدُ بِهِ جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ الْخَالِيَةِ عَنِ الْقَيْدِ ; لِوُجُوبِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَلَا سِيَّمَا إِنِ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ كَمَا هُنَا.
أَمَّا حُجَّةُ مَنْ قَالَ: بِوُجُوبِ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَهِيَ ظَاهِرَةُ السُّقُوطِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ أَجَازَ الرُّكُوبَ مُطْلَقًا، فَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَيْلَكَ ارْكَبْهَا "، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [22 \ 33] ، عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ، وَلَا تَنْهَضُ بِهِ الْحُجَّةُ فِيمَا يَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَوْنِهِ تَدْعُوهُ الضَّرُورَةُ إِلَى ذَلِكَ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَهُوَ أَخَصُّ نَصٍّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ شُرْبَ مَا فَضَلَ مِنْ لَبَنِهَا، عَنْ وَلَدِهَا لَا بَأْسَ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى وَلَدِهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنْ رَكِبَهَا الرُّكُوبَ الْمُبَاحَ لِلضَّرُورَةِ وَنَقَصَهَا ذَلِكَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ النَّقْصِ يَتَصَدَّقُ بِهَا. وَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنِ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِصَاحِبِ الْبَدَنَةِ " ارْكَبْهَا "، وَهِيَ مُقَلَّدَةٌ نَعْلًا، وَقَدْ صَرَّحَ لَهُ تَصْرِيحًا مُكَرَّرًا بِأَنَّهَا بَدَنَةٌ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَلْ تِلْكَ الْبَدَنَةُ مِنَ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْأَقْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ مِرَارًا. وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي