يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَالْعَلَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا غَسْلُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ لِجَنَابَةٍ كَاحْتِلَامٍ، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِرِفْقٍ لِئَلَّا يَقْتُلَ بَعْضَ الدَّوَابِّ فِي رَأْسِهِ وَاغْتِسَالِ الْمُحْرِمِ، وَغَسْلُهُ رَأْسَهُ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ: لِثُبُوتِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلَّمَا خَالَفَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: بَابُ الِاغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةَ بِالْحَكِّ بَأْسًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْسِلُ رَأْسَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا، وَأَدْبَرَ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ.

وَقَالَ ابْنُ حَجْرٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: وَكَأَنَّهُ خَصَّ الرَّأْسَ بِالسُّؤَالِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشِّعْرِ الَّذِي يُخْشَى انْتِتَافُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبَدَنِ غَالِبًا، وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ كَلَفْظِ الْبُخَارِيِّ، وَزَادَ مُسْلِمٌ فَقَالَ الْمِسْوَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَا أُمَارِيكَ أَبَدًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ.

مِنْهَا: جَوَازُ اغْتِسَالِ الْمُحْرِمِ، وَغَسْلِهِ رَأْسَهُ، وَإِمْرَارِ الْيَدِ عَلَى شِعْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْتِفُ شَعْرًا إِلَى آخِرِهِ، وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيهِ التَّصْرِيحُ: بِجَوَازِ غَسْلِ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ، وَكَذَلِكَ غَسْلُ الْبَدَنِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا اغْتِسَالُ الْمُحْرِمِ بِالْمَاءِ وَالِانْغِمَاسُ فِيهِ، فَجَائِزٌ لَا يُعْرَفُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، خِلَافٌ فِيهِ، لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ السَّابِقِ: أَمَّا دُخُولُ الْحَمَّامِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ نَفْسِهِ فَجَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِزَالَةِ الْوَسَخِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِيٍّ؛ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ. دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ عَنْ بَعِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَكَرِهَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015