عَلَى الْبَطْنِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ بِضَرُورَةِ الْعَمَلِ خَاصَّةً كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي جَوَازِ نَظَرِ الْمُحْرِمِ فِي الْمِرْآةِ، إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ ": أَنَّهُ نُقِلَتْ كَرَاهَتُهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا أُحِبُّ نَظَرَ الْمُحْرِمِ فِي الْمِرْآةِ، فَإِنْ نَظَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ.
وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ قَالَ: وَبِهِ أَقُولُ، وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، قَالَ: وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: بِالْكَرَاهَةِ وَالْجَوَازِ، وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ. انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنَ النَّوَوِيِّ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: التَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مُجَرَّدَ نَظَرِ الْمُحْرِمِ فِي الْمِرْآةِ لَا بَأْسَ بِهِ، مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى أَمْرٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، كَنَظَرِ الْمَرْأَةِ فِيهَا لِتَكْتَحِلَ بِمَا فِيهِ طِيبٌ أَوْ زِينَةٌ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْعَلَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَذَكَرَ فِي " الْفَتْحِ " أَيْضًا: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا حَجَّتْ، وَمَعَهَا غِلْمَانٌ لَهَا، وَكَانُوا إِذَا شَدُّوا رَحْلَهَا يَبْدُو مِنْهُمُ الشَّيْءُ، فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا التَّبَابِينَ فَيَلْبَسُوهَا، وَهُمْ مُحْرِمُونَ قَالَ: وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ: يَشُدُّونَ هَوْدَجَهَا، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَفَتْحِ الْحَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَحَلْتُ الْبَعِيرَ أَرْحَلُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ فِي الْمُضَارِعِ، وَالْمَاضِي رَحْلًا بِمَعْنَى: شَدَدْتُ الرَّحْلَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
رَحَلَتْ سُمَيَّةُ غَدْوَةً أَجَمَالَهَا ... غَضْبَى عَلَيْكَ فَمَا تَقُولُ بَدَا لَهَا
وَقَوْلُ الْمُثَقِّبِ الْعَبْدِيِّ وَهُوَ عَائِذُ بْنُ مِحْصَنٍ:
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ
وَالْهَوْدَجُ: مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ مَعْرُوفٌ، وَمَا ذَكَرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِنَّمَا رَخَّصَتْ فِي الْتُّبَّانِ، لِمَنْ يَرْحَلُ هَوْدَجَهَا، لِضَرُورَةِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ