وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ فِي " اللِّسَانِ ": وَالسُّكُّ ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ يُرَكَّبُ مِنْ مِسْكٍ وَرَامَكٍ، وَقَالَ فِي " اللِّسَانِ " أَيْضًا ابْنُ سِيدَهْ: وَالرَّامِكُ وَالرَّامَكُ وَالْكَسْرُ أَعْلَى شَيْءٌ أَسْوَدٌ كَالْقَارِ يُخْلَطُ بِالْمِسْكِ فَيُجْعَلُ سُكًّا، قَالَ:

إِنَّ لَكَ الْفَضْلَ عَلَى صُحْبَتِي ... وَالْمِسْكُ قَدْ يَسْتَصْحِبُ الرَّامِكَا

وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِ التَّطَيُّبِ الْمَذْكُورِ خَاصًّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا نَصٌّ فِي عَدَمِ خُصُوصِ ذَلِكَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَضَّدُوهُ بِالْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ قَالُوا: وَإِنْكَارُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ لَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ سُنَّتَهُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ قَوْلِ كُلِّ صَحَابِيٍّ، مَعَ أَنَّهُمْ خَالَفَهُمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِ حَدِيثِ يَعْلَى، كَالْعُمُومِ الْقَوْلِيِّ، فَلَا يُعَارِضُهُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يُخَصَّصُ بِهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ التَّطَيُّبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، لَيْسَ خَاصًّا بِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ آنِفًا. وَقَوْلُهَا فِي الصَّحِيحِ: " طَيَّبْتُهُ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ ". صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا شَارَكَتْهُ فِي مُلَامَسَةِ ذَلِكَ الطِّيبِ، كَمَا تَرَى.

وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِ حَدِيثِ يَعْلَى: دَالًّا عَلَى الْمَنْعِ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ: دَالًّا عَلَى الْجَوَازِ. وَالدَّالُّ عَلَى الْمَنْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّالِ عَلَى الْجَوَازِ، بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا جُهِلَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا. أَمَّا إِذَا عُلِمَ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَخْذُ بِالْمُتَأَخِّرِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ، وَقِصَّةُ يَعْلَى وَقَعَتْ بِالْجِعْرَانَةِ عَامَ ثَمَانٍ بِلَا خِلَافٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَامَ عَشْرٍ وَمِنَ الْمُقَرَّرِ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ النَّصَّيْنِ إِذَا تَعَارَضَا وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فَهُوَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ. وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِ الدَّوَامِ عَلَى الطِّيبِ كَابْتِدَائِهِ بِأَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ عَقْدِهِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الدَّوَامِ عَلَى نِكَاحٍ، وَقَدْ عَقَدَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ عَقْدِهِ الزَّوْجَانِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَا كُلُّ دَوَامٍ كَالِابْتِدَاءِ.

وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَانِعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

الْأَوَّلُ: هُوَ الْمَانِعُ لِلدَّوَامِ وَالِابْتِدَاءِ مَعًا كَالرَّضَاعِ، فَإِنَّ الرَّضَاعَ مَانِعٌ مِنِ ابْتِدَاءِ عَقْدِ النِّكَاحِ كَمَا أَنَّهُ أَيْضًا مَانِعٌ مِنَ الدَّوَامِ عَلَيْهِ فَلَوْ تَزَوَّجَ رَضِيعَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ مِنْهُ فِي حَالِ الْعَقْدِ، ثُمَّ أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّ هَذَا الرَّضَاعَ الطَّارِئَ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ مَانِعٌ مِنَ الدَّوَامِ عَلَيْهِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015