قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، اهـ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي ": وَكَانَ عَطَاءٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، اهـ.
وَإِذَا عَلِمْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فَهَذِهِ أَدِلَّتُهُمْ وَمُنَاقَشَتُهَا وَمَا يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ بِالدَّلِيلِ مِنْهَا.
أَمَّا الَّذِينَ مَنَعُوا ذَلِكَ: فَقَدِ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ التَّمِيمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ: أَنْ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَرِنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجِعْرَانَةِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَأَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَوْبٌ، وَقَدْ أُظِلَّ بِهِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْمَرُّ الْوَجْهِ، وَهُوَ يَغِطُّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: " أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ " فَأُوتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ: " اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ " قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَادَ الْإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. انْتَهَى مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالُوا: فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ صَرَّحَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَسْلِ الطِّيبِ الَّذِي تَضَمَّخَ بِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَأَمَرَ بِإِنْقَائِهِ كَمَا قَالَهُ عَطَاءٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ الطِّيبَ فِي بَدَنِهِ إِذْ لَوْ كَانَ فِي الْجُبَّةِ، دُونَ الْبَدَنِ لَكَفَى نَزْعُ الْجُبَّةِ كَمَا تَرَى، خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ تَرْجَمَةُ الْحَدِيثِ الَّذِي تَرْجَمَهُ بِهَا الْبُخَارِيُّ، وَهِيَ قَوْلُهُ: بَابُ غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ. وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْإِسْنَادِ: قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى مِثْلِهِ مُسْتَوْفًى وَبَيَّنَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّهُ مَوْصُولٌ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ، أَوْ مُعَلَّقٌ ; لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ: فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ، أَوْ قَالَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ