الْفَرْعُ السَّابِعَ عَشَرَ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي التَّطَيُّبِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَهُ بِحَيْثُ يَبْقَى أَثَرُ الطِّيبِ، وَرِيحُهُ أَوْ عَيْنُهُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ، هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقْتَ الطِّيبِ غَيْرُ مُحْرِمٍ، وَالدَّوَامُ عَلَى الطِّيبِ، لَيْسَ كَابْتِدَائِهِ كَالنِّكَاحِ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، مَعَ إِبَاحَةِ الدَّوَامِ عَلَى نِكَاحٍ مَقْعُودٍ، قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ وُجُودَ رِيحِ الطِّيبِ، أَوْ عَيْنِهِ، أَوْ أَثَرِهِ فِي الْمُحْرِمِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ كَابْتِدَائِهِ لِلتَّطَيُّبِ ; وَلِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ حَالَ الْإِحْرَامِ بِالطِّيبِ، مَعَ أَنَّ الطِّيبَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَقَالَ جَمَاهِيرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الطِّيبَ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ، اهـ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": وَبِهِ قَالَ خَلَائِقُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ مِنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى آخِرِهِ، كَمَا فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ".
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " فِي شَرْحِهِ لِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ: وَيَتَطَيَّبُ.
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَتَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ خَاصَّةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَبْقَى عَيْنُهُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ، أَوْ أَثَرُهُ كَالْعُودِ وَالْبَخُورِ وَمَاءِ الْوَرْدِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعُرْوَةَ، وَالْقَاسِمِ، وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ التَّطَيُّبُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ غَسْلُهُ حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ وَرِيحُهُ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": وَقَالَ آخَرُونَ بِمَنْعِهِ مِنْهُمُ: الزَّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، اهـ.
وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُكْرَهُ.