الْمَرْفُوعُ فَرَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِالرَّاوِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُ مَجْهُولٌ، وَكَذَا الرَّاوِي عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيُّ قَالَ: هُمَا مَجْهُولَانِ. انْتَهَى مِنَ التَّلْخِيصِ.
فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ ثَابِتٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ اسْتِدْلَالِ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى سَائِرِ الدِّمَاءِ الَّتِي قَالُوا بِوُجُوبِهَا غَيْرُ الدِّمَاءِ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ، أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَعَبُّدٌ، لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا إِشْكَالَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ مِمَّا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ، وَأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، فَهُوَ فَتْوَى مِنْ صَحَابِيٍّ جَلِيلٍ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خَيْرُ أُسْوَةٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي لُزُومِ الدَّمِ بِتَرْكِ جَمْرَةٍ، أَوْ رَمْيِ يَوْمٍ، أَوْ حَصَاةٍ، أَوْ حَصَاتَيْنِ إِلَى آخَرِ مَا تَقَدَّمَ: فَهُوَ مِنْ نَوْعِ الِاخْتِلَافِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ فَمَالِكٌ مَثَلًا الْقَائِلُ: بِأَنَّ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ دَمًا يَقُولُ الْحَصَا الْوَاحِدَةُ دَاخِلَةٌ فِي أَثَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ، فَمَنَاطُ لُزُومِ الدَّمِ مُحَقَّقٌ فِيهَا، لِأَنَّهَا شَيْءٌ مِنْ نُسُكِهِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُهُ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ إِلَخْ، لِأَنَّ لَفْظَةَ شَيْئًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، فَهِيَ صِيغَةُ عُمُومٍ، وَالَّذِينَ قَالُوا: لَا يَلْزَمُ فِي الْحَصَاةِ، وَالْحَصَاتَيْنِ دَمٌ، قَالُوا: الْحَصَاةُ، وَالْحَصَاتَانِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا نُسُكٌ، بَلْ هُمَا جُزْءٌ مِنْ نُسُكٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَالُوا: لَا يَلْزَمُ فِي الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ دَمٌ، قَالُوا: رَمْيُ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ نُسُكٌ وَاحِدٌ فَمَنْ تَرَكَ جَمْرَةً فِي يَوْمٍ لَمْ يَتْرُكْ نُسُكًا، وَإِنَّمَا تَرَكَ بَعْضَ نُسُكٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَالُوا: لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ قَالُوا: إِنَّ الْجَمِيعَ نُسُكٌ وَاحِدٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْفَرْعُ السَّادِسُ: اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: يُسْتَحَبُّ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا إِنْ أَمْكَنَ، وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا فِي الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ إِلَّا الْيَوْمَ الْأَخِيرَ، فَيَرْمِي فِيهِ رَاكِبًا، وَيَنْفِرُ عَقِبَ الرَّمْيِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْمِيهِ كُلَّهُ رَاكِبًا.
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ: هُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَدْ رَمْى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا، وَرَمَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْفَرْعُ السَّابِعُ: إِذَا عَجَزَ الْحَاجُّ عَنِ الرَّمْيِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ