رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ قَدَّمَ مِنْ أَهْلِهِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ، قَالَتْ: فَرَمَيْتُ بِلَيْلٍ، ثُمَّ مَضَيْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّيْتُ بِهَا الصُّبْحَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مِنًى، انْتَهَى مِنْهُ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تُقَوِّي الرِّوَايَةَ الْأُولَى عَنْ عَائِشَةَ. وَلَمَّا سَاقَ ابْنُ الْقَيِّمِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخَلَّالُ قَالَ: قُلْتُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ هَذَا هُوَ الدِّمَشْقِيُّ الْخَوْلَانِيُّ، وَيُقَالُ: ابْنُ دَاوُدَ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: عَنْ أَحْمَدَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ: ضَعِيفٌ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمَذْكُورَةُ لَا تَقِلُّ عَنْ أَنْ تُعَضِّدَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَهَا، وَسُلَيْمَانُ الْمَذْكُورُ وَثَّقَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْخَوْلَانِيُّ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ أَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ ابْنِ حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِيهِ أَيْضًا: قُلْتُ: أَمَّا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْخَوْلَانِيُّ، فَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ صَدُوقٌ، وَقَالَ فِيهِ فِي التَّقْرِيبِ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْخَوْلَانِيُّ أَبُو دَاوُدَ الدِّمَشْقِيُّ: سَكَنَ دَارِيَّا صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ. وَبِذَلِكَ كُلِّهِ يُعْلَمُ أَنَّ رِوَايَتَهُ لَا تَقِلُّ عَنْ أَنْ تَكُونَ عَاضِدًا لِغَيْرِهَا.

هَذَا هُوَ حَاصِلُ حُجَّةِ مَنْ أَجَازَ رَمْيَ الْجَمْرَةِ قَبْلَ الصُّبْحِ.

وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ رَمْيُهَا، إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَاهَا وَقْتَ الضُّحَى. وَقَالَ: " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ ".

وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِضَعَفَةِ أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ". وَفِي لَفْظٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ - أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - عَلَى حُمُرَاتٍ فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ: أَيْ بَنِيَّ، لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ "، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: اللَّطْحُ الضَّرْبُ اللَّيِّنُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015