رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ فِي الْمَسْعَى، حَتَّى إِذَا بَلَغَ زُقَاقَ بَنِي فُلَانٍ، مَوْضِعًا قَدْ سَمَّاهُ مِنَ الْمَسْعَى، اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» انْتَهَى مِنْهُ.

فَهَذَا الْإِسْنَادُ هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي رَوَتْ عَنْهَا صَفِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَضُرُّ لِتَصْرِيحِهَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ هَذِهِ بِأَنَّهَا رَوَتْ ذَلِكَ عَنْ نِسْوَةٍ أَدْرَكْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِذَنْ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تُسَمَّى وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فِي رِوَايَةٍ، وَتُسَمَّى غَيْرُهَا مِنْهُنَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِلْوُجُوبِ بِحَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تِجْرَاةَ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ، ثُمَّ أَلِفٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ هَاءٌ، وَهِيَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، قَالَتْ: دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ آلِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمَا. وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْوُجُوبِ.

قُلْتُ: لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مُخْتَصَرَةٌ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالْأُولَى، وَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَى الْأُولَى قَوِيَتْ.

وَاخْتُلِفَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ فِي اسْمِ الصَّحَابِيَّةِ الَّتِي أَخْبَرَتْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَخَذَتْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ، فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْهَا: أَخْبَرَتْنِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَلَا يَضُرُّهُ الِاخْتِلَافُ. انْتَهَى الْغَرَضُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ.

وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ بَعْضَ طُرُقِ حَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ فَاسْعَوْا» ، لَا تَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الْقَبُولِ. وَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ مَعَ أَنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَبِظَاهِرِ الْآيَةِ كَمَا بَيَّنَّا، وَبِمَا سَيَأْتِي أَيْضًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى لُزُومِ السَّعْيِ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنِيخٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015