يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْحَافِظَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى قَتَادَةُ أَيْضًا عَنْ عَزْرَةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَعَنْ عَزْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. اهـ مِنَ الْبَيْهَقِيِّ، وَقَدْ أَوْرَدَ رِوَايَاتٍ أُخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تُؤَيِّدُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ وَأَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ، وَذَكَرَ كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ، وَكَلَامَ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ وَذَكَرَ طُرُقَهُ ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَيَجْتَمِعُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ الْحَدِيثِ. اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ شُبْرُمَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ أَبِي دَاوُدَ كَمَا قَدَّمْنَا، ثُمَّ قَالَ: وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّوَوِيَّ يَظُنُّ أَنَّ عَزْرَةَ الْمَذْكُورَ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَلِكَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَزْرَةُ بْنُ يَحْيَى كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا سَابِقًا مِنْ تَصْحِيحِ الْبَيْهَقِيِّ لِلْحَدِيثِ، وَأَنَّ رَفْعَهُ أَصَحُّ مِنْ وَقْفِهِ.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ: أَنَّ الْحَدِيثَ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّائِبَ فِي الْحَجِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ. وَقَاسَ الْعُلَمَاءُ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قِيَاسٌ ظَاهِرٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَقَالُوا: يَصِحُّ حَجُّ النَّائِبِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْحَجِّ عَنِ الْمَعْضُوبِ وَالْمَيِّتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهَا: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ، حُجَّ عَنْ أُمِّكَ» ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ، وَلَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا مِنْهُمْ هَلْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا. وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْأَقْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْحَدِيثِ الْخَاصِّ الَّذِي فِيهِ قِصَّةُ شُبْرُمَةَ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَعَارَضُ عَامٌّ وَخَاصٌّ، فَلَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ حَتَّى يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ
قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ، وَهَلْ ذَلِكَ الْوُجُوبُ عَلَى سَبِيلِ الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي؟
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، وَسَنُبَيِّنُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَقْوَالَهُمْ وَحُجَجَهُمْ، وَمَا