هَلَكَ، وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لَا مَرِيضًا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي أَنَّ الْمَرَضَ الْقَوِيَّ الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ السَّفَرُ مَشَقَّةً فَادِحَةً مُسْقِطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ.

وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ آمِنًا مِنْ غَيْرِ خِفَارَةٍ. وَالْخِفَارَةُ مُثَلَّثَةُ الْخَاءِ: هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى الْحَاجِّ. وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ السَّيْرِ وَالْأَدَاءِ. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْمُسْتَطِيعِ بِنَفْسِهِ لَا فِيمَا يُسَمُّونَهُ الْمُسْتَطِيعَ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةً تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ رَاحِلَةً، أَوْ وَجَدَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ عِنْدَهُمْ، وَلَا تُعَدُّ قُدْرَتُهُ عَلَى الْمَشْيِ اسْتِطَاعَةً عِنْدَهُمْ، لِحَدِيثِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّادِ وَالْمَاءِ، وَلَكِنَّهُ كَسُوبٌ ذُو صَنْعَةٍ يَكْتَسِبُ بِصَنْعَتِهِ مَا يَكْفِيهِ، فَفِي ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ حَكَاهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَا يَكْتَسِبُ فِي الْيَوْمِ إِلَّا كِفَايَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ ; لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنِ الْكَسْبِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ يَكْتَسِبُ فِي الْيَوْمِ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ. قَالَ الْإِمَامُ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ يَوْمَ الْعِيدِ لَا تُجْعَلُ كَمِلْكِ الصَّاعِ فِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، انْتَهَى مِنَ النَّوَوِيِّ، وَمُرَادُهُ بِالْإِمَامِ: إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ، يَعْنِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَدَمَ وُجُوبِ الْحَجِّ بِذَلِكَ مُطْلَقًا.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَهِيَ هَلِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ بِمَنْزِلَةِ التَّحْصِيلِ أَوْ لَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّحْصِيلِ بِمَنْزِلَةِ التَّحْصِيلِ بِالْفِعْلِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالِاسْتِطَاعَةُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: هِيَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: وَالِاسْتِطَاعَةُ الْمُشْتَرَطَةُ: مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ الصِّحَّةُ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.

وَإِذَا عَلِمْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [3 \ 97] فَهَذِهِ أَدِلَّتُهُمْ.

أَمَّا الْأَكْثَرُونَ الَّذِينَ فَسَّرُوا الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، فَحُجَّتُهُمُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِتَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْآيَةِ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015