الْآيَةَ [2 \ 273] فَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ فُقَرَاءُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِالتَّعَفُّفِ وَعَدَمِ السُّؤَالِ.
وَوَجْهُ إِشَارَةِ الْآيَةِ إِلَى شِدَّةِ فَقْرِهِمْ هُوَ مَا فَسَّرَهَا بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ [2 \ 273] ؛ أَيْ: بِظُهُورِ آثَارِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِسِيمَاهُمْ: عَلَامَةُ فَقْرِهِمْ مِنْ ظُهُورِ آثَارِ الْجُوعِ، وَالْفَاقَةِ عَلَيْهِمْ، وَالْقَوْلَ الْآخَرَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِسِيمَاهُمْ: عَلَامَتُهُمُ الَّتِي هِيَ التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ، مَا نَصُّهُ.
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَعْرِفُهُمْ بِعَلَامَاتِهِمْ وَآثَارِ الْحَاجَةِ فِيهِمْ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي التَّفْسِيرِ بِالْمَأْثُورِ: وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الرَّبِيعِ: تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ [2 \ 273] يَقُولُ: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمُ الْجَهْدَ مِنَ الْحَاجَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ: تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالَ: رَثَاثَةُ ثِيَابِهِمْ. انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ.
فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ: تَدُلُّ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى الْفَقِيرِ الصَّابِرِ الْمُتَعَفِّفِ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ، وَتَدُلُّ بِمَفْهُومِهَا عَلَى ذَمِّ سُؤَالِ النَّاسِ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَمِّ السُّؤَالِ مُطْلَقًا كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَبِذَلِكَ كُلِّهِ تَعْلَمُ أَنَّ سُؤَالَ النَّاسِ لَيْسَ اسْتِطَاعَةً عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِطَاعَةً، هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ: الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ اهـ.
قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
وَالِاسْتِطَاعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. فَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَعَادَتُهُ سُؤَالُ النَّاسِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ عِنْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا.
وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، بِشَرْطِ أَنْ يَجِدَهُمَا بِثَمَنِ الْمِثِلِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنَ الْمِثِلِ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْحَجِّ. وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا: وُجُودُ الْمَاءِ فِي أَمَاكِنِ النُّزُولِ، وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ