وَجَعَلْنَا لِوَقْتِ إِهْلَاكِهِمْ مَوْعِدًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي فَنِّ الصَّرْفِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ زَادَ مَاضِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مُطْلَقًا فَالْقِيَاسُ فِي مَصْدَرِهِ الْمِيمِيِّ وَاسْمِ مَكَانِهِ وَاسْمِ زَمَانِهِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَالْمُهْلِكُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَنْ أَهْلَكَهُ الرُّبَاعِيُّ، وَقَرَأَهُ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ «لِمَهْلِكِهِمْ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَقَرَأَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ «لِمَهْلَكِهِمْ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ مَعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى قِرَاءَةِ حَفْصٍ اسْمُ زَمَانٍ، أَيْ: وَجَعَلْنَا لِوَقْتِ هَلَاكِهِمْ مَوْعِدًا ; لِأَنَّهُ مِنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالْكَسْرِ، وَمَا كَانَ مَاضِيهِ عَلَى «فَعَلَ» بِالْفَتْحِ وَمُضَارِعُهُ «يَفْعِلُ» بِالْكَسْرِ كَهَلَكَ يَهْلِكُ، وَضَرَبَ يَضْرِبُ، وَنَزَلَ يَنْزِلُ فَالْقِيَاسُ فِي اسْمِ مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ «الْمَفْعِلُ» بِالْكَسْرِ، وَفِي مَصْدَرِهِ الْمِيمِيِّ الْمَفْعَلُ بِالْفَتْحِ، تَقُولُ هَذَا مَنْزِلُهُ بِالْكَسْرِ أَيْ: مَكَانُ نُزُولِهِ أَوْ وَقْتُ نُزُولِهِ، وَهَذَا «مَنْزَلُهُ» بِفَتْحِ الزَّايِ، أَيْ: نُزُولُهُ، وَهَكَذَا، مِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَإِنْ ذَكَّرَتْكَ الدَّارُ مَنْزَلَهَا جُمْلُ ... بَكَيْتَ فَدَمْعُ الْعَيْنِ مُنْحَدِرٌ سَجْلُ
فَقَوْلُهُ: «مَنْزَلَهَا جُمْلُ» بِالْفَتْحِ، أَيْ: نُزُولٌ جُمْلُ إِيَّاهَا وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى قِرَاءَةِ شُعْبَةَ «لِمَهْلَكِهِمْ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، أَيْ: وَجَعَلْنَا لِهَلَاكِهِمْ مَوْعِدًا، وَالْمَوْعِدُ: الْوَقْتُ الْمُحَدَّدُ لِوُقُوعِ ذَلِكَ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ
لَفْظَةُ «لَمَّا» تَرِدُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
الْأَوَّلُ: لَمَّا النَّافِيَةُ الْجَازِمَةُ لِلْمُضَارِعِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [2 \ 214] ، وَقَوْلِهِ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ الْآيَةَ [3 \ 142] ، وَهَذِهِ حَرْفٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُضَارِعِ، وَالْفَوَارِقُ الْمَعْنَوِيَّةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَمِ النَّافِيَةِ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمِمَّنْ أَوْضَحَهَا ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ اسْتِثْنَاءٍ بِمَعْنَى إِلَّا، فَتَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [86 \ 4] ، فِي قِرَاءَةِ مَنْ شَدَّدَ «لَمَّا» أَيْ: مَا كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ الْعَرَبِ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ لَمَّا فَعَلْتَ ; أَيْ: مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا فِعْلَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
قَالَتْ لَهُ بِاللَّهِ يَا ذَا الْبُرْدَيْنِ ... لَمَّا غَنِثْتَ نَفَسًا أَوْ نَفَسَيْنِ