وَأَنْتَ عَلَى عِلْمِ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ"، وذلك أن دعوة موسى كانت خاصة، وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال فيما فَضَّلَهُ الله به على الأنبياء قال: "كَان النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً" (?). فدعوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- شاملة لجميع العباد، وليس لأحد الخروجُ عن متابعته وطاعته، ولا استغناءٌ عن رسالته، كما ساغ للخَضِرِ الخروجُ عن متابعة موسى وطاعته، مستغنيًا عنه بما علَّمَهُ اللَّه، وليس لأحد ممن أدركه الإسلام أن يقول لمحمد: "إني على علمِ من علم اللَّه عَلَمَنيهِ لا تعلمه"، ومن سَوَّغَ هذا، أو اعتقد أن أحدًا من الخلق الزُّهَّادِ، والعُبَّادِ، أو غيرهم، له الخروج عن دعوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومتابعته؛ فهو كَافِرٌ باتفاق المسلمين ... وقصة الخَضِرِ ليس فيها خروج عن الشريعة؛ ولهذا لما بَيَّنَ الخَضِرُ لموسى الأسباب التي فعل لأجلها ما فعل؛ وافقه موسى، ولم يختلفا حينئذ (?) ولو كان ما فعله الخَضِرُ مخالفًا لشريعة موسى لما وافقه" (?).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر رَادًّا على المُتَصَوِّفَة، الذين يحتجون بقصة الخَضِرِ مع موسى على أن الأولياء يسوغ لهم الخروج عن الشريعة، كما خرج الخَضِرُ عن شَرِيعَةِ موسى، وفعل أمورًا محرمة في شريعة موسى؛ قال -رحمه اللَّه-: "ومثل احتجاج بعضهم بقصة الخَضِرِ وموسى -عليه السلام- على أن من الأولياء من يستغني عن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- كما استغنى الخَضِرُ، ومثل قول بعضهم: إن خاتَم الأولياء له طريق إلى اللَّه يَسْتَغْنِي به عن خاتم الأنبياء، وأمثال هذه الأمور التي كَثُرَتْ في كثير من المنتسبين إلى الزُّهْدِ، والفقر، والتصوف، والكلام، والتفلسف، وكُفْرُ هؤلاء