الناس يظنون أن جميع ذلك من الكرامات، والواقع أن كثيرًا منه كان من آثار الرياضة، وهي آثار طبيعية غريبة تحصل لكل من كان في طبعه استعداد وتعانى الرياضة بشروطها؛ سواء أكان مسلمًا -صالحًا أو فاجرًا- أم كافرًا، فأما الكرامات الحقيقية فلا دخل فيها لقوى النفوس، فلما وقعوا في ذلك وجد الشيطان مسلكًا للسلطان على بعض أولئك الأفراد بمقدار مخالفتهم للسنَّة؛ فمنهم من كان عنده من العلم ما دافع به عن دينه؛ كما نُقِل عن أبي سليمانَ الداراني أنه قال: "ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أيامًا، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنَّة، ذكرها ونحوها من كلامهم أبو إسحاق الشاطبي في "الاعتصام" (106 - 121).
ومنهم من سلم له أصل الإيمان، لكن وقع في البدع العلمية، ومنهم من كان سلطان الشيطان عليه أشد؛ فأوقعه في أشد من ذلك، كما ترى الإشارة إلى بعضه في ترجمة رياح بن عمرو القيسي من "لسان الميزان"، ثم صار كثير من الناس يتحرون العزلة والجوع والسَّهَرَ لتحصيل تلك الآثار، فقوي سلطان الشيطان عليهم، ثم نُقِلت مقالات الأمم الأخرى، ومنها الرياضة، وشرح ما تثمره من قوة الإدراك والتأثير، فضمها هواتُها إلى ما سبق، ملصِقين لها بالعبادات الشرعية، وكَثُرَ تعاطيها من الخائضين في الكلام والفلسفة، فمنهم من تعاطاها؛ ليروج مقالاته المنكرة بنسبتها إلى الكشف والإلهام والوحي، ويتورع عن الإنكار عليه، بزعم أنه من أولياء اللَّه -تَعَالَى-، ومنهم من تعاطاها على أمل أن يجد فيها حلًّا للشكوك والشُّبَهِ التي أوقعه فيها التعمقُ في الكلام والفلسفة.