لك، والمخاطِب، وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لغيلان بن سلمة- وهو من الصحابة، لَمَّا طَلَّقَ نساءه، وقَسَم ماله بين بَنيه: "إني لأظن الشيطان -فيما يسترق من السمع- سمع بموتك، فقذفه في نفسك" (?)، فمن يأمن القراءَ بعدك يا شهرُ؟ (?).
النَّوْعُ الثَّالِثُ: خِطَابٌ حَالِيٌّ، تكون بدايته من النفس، وعَوْدُهُ إليها، فيتوهمه مِن خارجٍ، وإنما هو من نفسِه، منها بدأ، وإليها يعود.
وهذا كثيرًا ما يَعْرِضُ للسالك، فيغلط فيه، ويعتقد أنه خطاب من اللَّه، كَلَّمَهُ به منه إليه، وسبب غلطه: أن اللطيفة المدرِكة من الإنسان إذا صَفَتْ بالرياضة، وانقطعت عَلَقُها عن الشواغل الكثيفة، صار الحكم لها بحكم استيلاء الروح والقلب على البدن، ومصير الحكم لهما، فتنصرف عناية النفس والقلب إلى تجريد المعاني التي هي متصلة بهما، وتشتد عناية الروح بها، وتصير في محل تلك العلائق، والشواغل، فتملأ القلب، فتصرف تلك المعاني إلى المنطق، والخطاب القلبي الروحي بحكم العادة، ويتفق تجرد الروح، فتتشكل تلك المعاني للقوة السامعة بشكل الأصوات المسموعة، وللقوة الباصرة بشكل الأشخاص المرئية، فيرى صورها، ويسمع الخطاب، وكله في نفسه ليس في الخارج منه شيء، ويحلف أنه رأى وسمع، وصَدَقَ، لكن رأى وسمع في الخارج، أو في نفسه، ويتفق ضعف التمييز، وقلة العلم، واستيلاء تلك المعاني على الروح، وتجردها عن الشواغل.
فهذه الوجوه الثلاثة هي وجوه الخطاب، ومن سَمَّع نفسه غيرها، فإنما هو غرور، وخدع، وتلبيس، وهذا الموضع مقطع القول، وهو من أجَلِّ