ومن هذا الخطاب: واعظ اللَّه -عز وجل- في قلوب عباده المؤمنين؛ كما في "جامع الترمذي"، و"مسند أحمد" من حديث النَّواس بن سمعان، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَ اللَّهَ -تَعَالَى- ضَرَبَ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى كَنَفَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ، لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو على رَأسِ الصِّرَاطِ، وَدَاع يَدْعُو فَوْقَ الصِّرَاطِ، فالصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ الإسْلَامُ، والسُّورَانِ: حُدُودُ اللهِ، والأَبْوَابُ المُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ، فَلَا يَقَعُ أحَدٌ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ حتَّى يَكْشِفَ السِّتْرَ، والدَّاعِي عَلَى رأسِ الصِّراطِ: كِتَابُ اللَّهِ، والدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللهِ في قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ"، فهذا الواعظ في قلوب المؤمنين هو الإلهامُ الإلهي بواسطة الملائكة.
وأما وقوعه بغير واسطة: فمما لم يتبيَّنْ بعد، والجزم فيه بنفي أو إثبات موقوف على الدليل، واللَّه أعلم.
النَّوْعُ الثَّانِي من الخِطَابِ المَسْمُوع: خطاب الهواتف من الجانِّ، وقد يكون المخاطِبُ جنيًّا مؤمنًا صالحًا، وقد يكون شيطانًا، وهذا -أيضًا- نوعان:
أحدُهُمَا: أن يخاطبه خطابًا يسمعه بأذنه.
والثَّاني: أن يُلْقِيَ في قلبه عندما يُلِمُّ به، ومنه وعده، وتمنيته حين يَعِدُ الإنسي ويُمَنِّيه، ويأمره، وينهاه، كما قال -تَعَالى-: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: 120]، وقال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]، وللقلب من هذا الخطاب نصيب، وللأذن -أيضًا- منه نصيب، والعصمة منتفية إلا عن الرسل، ومجموع الأمة.
فمِن أين للمخاطَب أن هذا الخطاب رحماني، أو مَلَكِيٌّ؟ بأي برهان؟ أو بأي دليل؟ والشيطان يقذف في النفس وَحْيَهُ، ويُلقي في السمع خِطَابَهُ، فيقول المغرور المخدوع: "قيل لي، وخوطبت"، صدقت، لكن الشأن في القائل