لقد أخبر الله تعالى بتوبة جميع الأنبياء حتى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالاستغفار والتوبة في آخر حياته، كما جاء في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3]، وفي الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: (كان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، وقد أنزل الله عليه قبل ذلك: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117].
وفي صحيح البخاري عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يا أيها الناس! توبوا إلى ربكم، فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)، وعند مسلم عن الأغر المزني أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)، وفي السنن عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: (كنا نعد لرسول الله عليه الصلاة والسلام في المجلس الواحد، يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة)، وفي الصحيحين عن أبي موسى أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال: (يا رسول الله! أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة -أي: في الصلاة- ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، وفي صحيح مسلم وغيره أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول نحو هذا إذا رفع رأسه من الركوع، كما عند مسلم من حديث علي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في دعاء الاستفتاح: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي وعملت سوءاً، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت)، وعند مسلم كذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول في سجوده: (اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، علانيته وسره، أوله وآخره)، وفي السنن عن علي: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بدابة ليركبها، وأنه حمد الله وقال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا إلى لمنقلبون، ثم كبر الله وحمده، ثم قال: سبحانك ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، وقال: إن الرب يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يقول: -أي: الله عز وجل- علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا)، وقد قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]، أي: يا محمد: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، وقال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:2]، وفي الصحيحين في حديث الشفاعة: (أن المسيح عليه السلام قال لمن طلبوا منه الشفاعة اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر).
وفي الصحيح: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل حتى ترم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً).
إن نصوص الكتاب والسنة قاضية بأن الأنبياء والمرسلين وقعوا في الهفوات وفي اللمم الذي لا يؤثر على نبوتهم ورسالتهم، ومع ذلك عدوا ما وقعوا فيه ذنباً، فاستغفروا الله تعالى منه وتابوا إليه، فتقبل الله تعالى منهم تلك التوبة وغفر لهم ذنوبهم، وليس معنى أنهم وقعوا في الذنب أنهم كسائر البشر يقعون في العظائم من الأمور والملمات والخطوب، وإنما وقعوا في هفوات، ولعل الأمر كما قال بعض الصالحين: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا