الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أجمع علماء الأمة من الصحابة والتابعين والتابعين لهم بإحسان أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل، طاعاتها ومعاصيها.
فعن طاوس قال: أدركت ثلاثمائة من الصحابة رضي الله عنهم كلهم يقول: كل شيء بقدر، والله تعالى يقول: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله خالق كل صانع وصنعته).
وعن ابن عباس في قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، قال: هم الذين يقولون: إن الله على كل شيء قدير.
وسئل أحمد بن حنبل عن القدر ما هو؟ قال: هو قدرة الله عز وجل.
هل لها منتهى؟
صلى الله عليه وسلم لا، لا منتهى لقدرة الله عز وجل.
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال: (جاء مشركو مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينازعونه في القدر، فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:47 - 49]).
وأوصى السلف رضي الله عنهم بترك عيادة مرضى القدرية، وترك الصلاة على موتاهم، وعدم رد السلام عليهم.
وفي قول الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:107] سمع ابن عباس رضي الله عنهما رجلاً يقول: الشر ليس بقدر، فقال: بيننا وبين أهل القدر قول الله عز وجل: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:148]، حتى بلغ قوله تعالى: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:149]، هذا يدل على أن الهداية والضلال بيد الله عز وجل.
قال ابن عباس: حتى العجز والكيس.
حتى النشاط والهمة والفتور والعجز بيد الله عز وجل، وبقدر الله عز وجل، وهذا قد رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً رضي الله عنهما.
وفي قول الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35]، الله عز وجل يبتلي عباده بالشر فتنة لهم واختباراً وامتحاناً، كما ابتلى إبراهيم بذبح ولده، وبترك زوجه وولده الرضيع في أرض قفر، وكما ابتلى موسى وآدم ومحمداً عليه الصلاة والسلام، وغير ذلك من الابتلاءات التي وقعت بخير الخليقة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أعظم الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)، وقال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29].
قال ابن عباس في قوله: ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)) أي: نبتليكم بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة.
وقال زيد بن أسلم: والله ما قالت القدرية كما قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29]، ولا قالت كما قالت الملائكة: {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:32]، أي: نفوا المشيئة، فلم يبلغوا ما أمر الله عز وجل به وأخبر، وكذلك لم تقل القدرية بإثبات العلم كما قالت الملائكة، ولا قالت القدرية كما قال الأنبياء على لسان شعيب: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف:89]، ولا قالت القدرية كما قال أهل النار: {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:106]، أي: بسبب أعمالنا، ولا قالت القدرية كما قال أخوهم إبليس: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر:39]، قال الشافعي: لأن يلقى الله العبد بكل شيء -وفي رواية عنه: بكل ذنب- ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه ببدعة، أو قال: ببدعة القدرية، أو قال: بشيء من هذه الأهواء.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: القدر طريق مظلم فلا تسلكه، وبحر عظيم فلا تلجه، وهو سر الله في خلقه فلا تكشفه.
وقال ابن عباس: ما غلا أحد في القدر إلا خرج من الإسلام.
وقال أيضاً: إياك والقدر فإنه يدعو إلى الزندقة.
ولما تكلم صبيغ بن عسل في القدر، جيء به إلى عمر فلما دخل عليه، قال عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ قال عمر: وأنا عبد الله عمر بن ا