ذات الله وصفاته تختلف عن ذوات الخلق وصفاتهم

سئل مالك عليه رحمة الله، وسئل من قبله شيخه ربيعة الرأي، وهو إمام المدينة في زمانه كما سئلت من قبلهما أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5].

قالت: الاستواء معلوم -فلا تفويض عند السلف في العلم- والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، هذه القاعدة الأصولية الاعتقادية سار عليها سلفنا رضي الله تعالى عنهم إلى يومنا هذا، وستبقى قاعدة أصلية لكل من انتهج منهج السلف إلى قيام الساعة، وهذا الذي يقال في صفة إنما يقال في جميع صفات الباري تبارك وتعالى، فكيفية الصفة مجهولة لا يعلمها إلا الله عز وجل، أما العلم بها فإنه ثابت في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام اللذين هما مصدرا كل خير مصدرا الاعتقاد والتشريع، ومصدرا الحكم والإيمان وحسن الاعتقاد، وليس هناك مصدر وحي غير الكتاب والسنة.

الكيف مجهول والعلم بالصفة معلوم يقيناً؛ لأنه قد ورد في كتاب الله، ومعنى: (معلوم يقيناً) في دلالات ألفاظ العرب، وإلا فكيف يخاطبنا الله تبارك وتعالى بألفاظ لا معنى لها معلومة عندنا، كيف يقول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، ولا يدري المخاطب - النبي عليه الصلاة والسلام - ما معنى استوى؟ لابد أن لغة العرب فيها ما يشهد لمعاني الاستواء، فإذا كان الاستواء لله عز وجل، فهو العلو والارتفاع، ولذلك أطبق السلف رضي الله تعالى عنهم أن معنى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: علا وارتفع، وأن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا إذا انقضى ثلث الليل الآخر.

يقولون: نزول الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا لا يستلزم خلو العرش منه، وهذا الذي وقع فيه المبتدعة؛ لأنهم قاسوا ما يلزم الخالق على المخلوق.

قالوا: نزولنا من مكان إلى مكان يستلزم خلو المكان الأول منا، فكذلك الله تعالى إذا نزل إلى السماء الدنيا فإنه ينزل من علو إلى سفل، ويخلو منه العرش! وهذا كلام في غاية البطلان والفساد، إنما الحق أن ما يلزم الله عز وجل من أسماء وصفات لا يمكن قياسه على ما يلزم المخلوقين؛ وما ذلك إلا للأصل الأصيل، وهو أن ذات الله تعالى تختلف عن ذوات الخلق، فكذلك - لزوماً وتبعاً وتضمناً - تختلف صفاته عن صفات الخلق، فإذا قلت: إن إتياني ونزولي يستلزم خلو المكان الأول مني فإن ذلك ليس بلازم لله عز وجل، ولذلك أطبق السلف -لم يخالف واحد في ذلك- أن نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا لا يخلو منه العرش، ومن تخيل أن نزول الله تعالى يستلزم خلو العرش منه؛ فإنما جعل في مخيلته صورة لله عز وجل تشابه وتماثل وتكافئ صور المخلوقين، وهذا بلا شك كفر وإلحاد لا خلاف بين السلف على ذلك؛ ولذلك عصم الله تبارك وتعالى أهل السنة والجماعة بأن وضعوا أصولاً لأنفسهم ولمن أتى بعدهم، إذا سلكوها لم يضلوا ولم يتيهوا كما تاه غيرهم، من هؤلاء الذين تاهوا صاحب (جوهرة التوحيد) الذي يدرس إلى الآن في المعاهد الأزهرية باسم (السلفية والسنة)، وهو كلام في غاية الفساد والنكران.

قال صاحب الجوهرة: وكل نص أوجب التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيهاً وهذا كلام باطل، كيف يجتمع التنزيه مع التفويض والتأويل؟ فتفويض العلم والمعنى إنما هو سبيل أهل الضلال والانحراف، وأهل السنة والجماعة لم يفوضوا إلا الكيفية فقط، أما تفويض العلم فليس من منهجهم، ولا من بنات أفكار مدرستهم، وكذلك تفويض المعنى، فإنهم يعلمون معاني الصفات، والفرق بينهم وبين غيرهم من أهل الضلال والانحراف في معرفة المعنى أنهم يثبتون المعنى لله عز وجل على ما يليق بجماله وكماله.

نعم.

يقولون: الله تعالى له يد وله ساق وله عين وله وله، لكن على المعنى الذي يليق بذاته العلية سبحانه وتعالى، فيده ليست كأيدينا، وعينه ليست كأعيننا، ونفسه ليست كأنفسنا، وغير ذلك من سائر الصفات، والله تعالى يغضب ليس كغضبنا، ويفرح ليس كفرحنا، ويجيء ليس كمجيئنا، ويأتي ليس كإتياننا، ويذهب ليس كذهابنا وغير ذلك من الثابت لله عز وجل من أسماء وصفات.

وقد ثبت عنهم لما سئلوا عن هذه الصفات أنهم قالوا: أمروها كما جاءت، يعني: نحن نؤمن بها إيماناً جازماً، ونعلمها علماً يقيناً من واقع كلام الله تعالى وواقع كلام رسوله، كما أننا نعلم معناها لا تفويض في هذا ولا ذاك، ولكن أمروها أي: لا تخوضوا فيها بتأويل أو تعطيل أو تمثيل أو تكييف، وذلك لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فلما لم يكن بوسع أحد أن يتكلم في ذات الإله تعالى كذلك ينبغي ألا يكون في وسعه أن يتكلم في صفات الله تعالى، بل يجب عليه أن يؤمن بها وأن يمرها كما جاءت ولا يخوض فيها، هذا منهج أهل السنة والجماعة.

وللأسف الشديد كثير من طلاب العلم لا يعرف موقف سلف الأمة من صفات الباري تبارك وتعالى، إذا سألته: ما معتقد أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى وأسمائه سكت ولم يعطك جواباً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015