أول أصل من أصول الفرقة الناجية: أن هذه الطائفة تقدم دائماً النقل على العقل، وهذا في حال الاختلاف والتنازع، أما الأصل فإنه لا يمكن بحال أن يختلف نقل صحيح ثابت مع عقل صريح، ولذلك يسمع الآن على الساحة بعض الملاحدة يقولون: هذه الآية لا تستقيم مع عقولنا، وهذا الحديث لا يمكن أن يكون معقولاً، لماذا؟ لأنهم احتكموا إلى عقولهم، وجعلوا الشرع والنصوص التي وردت في الكتاب والسنة تابعة للعقل.
أما أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية فإنهم جعلوا العقل تابعاً للنقل، الأصل عندنا قال الله.
قال الرسول.
أجمع العلماء، ثم قياس صحيح على هذه الأصول، وإذا اختلف العقل مع هذا النقل فلا يخرج الحل عن أحد أمرين: الأمر الأول: أن النقل لا يثبت، ولذلك أنتم تسمعون دائماً في إذاعة القرآن الكريم وغيرها، أن النبي صلى الله عليه وسلم نقل عن ربه أن الله تعالى في الحديث القدسي قال: (وإني خلقت العرش من نور محمد، وخلقت محمداً من نور ربك يا جابر)، وفي رواية: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـ جابر بن عبد الله الأنصاري: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر)، فإذا نظرنا إلى هذا الحديث القاضي بأن أول مخلوق هو نور النبي عليه الصلاة والسلام، ونظرنا إلى الحديث الآخر الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب كل شيء كان إلى يوم القيامة، فجرى القلم بما كان وما سيكون).
إذا نظرنا إلى هذين الحديثين نجد أن أحدهما غير ثابت، بل مكذوب على النبي عليه الصلاة والسلام وهو الحديث الأول، وأما الحديث الثاني فهو حديث صحيح ثابت، فلا يبقى حينئذ تعارض بين هذه النصوص النقلية وبين العقل، فالعقل الآن يؤمن أن أول مخلوق هو القلم، وأن الله أمره أن يكتب مقادير الخلائق، وأعمالهم إلى قيام الساعة، ففعل القلم وكتب ما أمر به.
الأمر الثاني عند تعارض العقل والنقل: لابد أن نتهم عقولنا؛ لأن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق العقول وخلق أصحابها، وعلم ما يصلحها وما يفسدها: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، وشرع الله تبارك وتعالى شرعه ليصلح العباد والبلاد، لا لأجل أن يوقعهم في الاضطراب واللبس والحيرة، فالفساد صفة نقص لا تليق بالله عز وجل، ولذلك إذا تعارض حديثان في عقلك، أو دليلان في عقلك، أو دليل واحد مع عقلك فقل: آمنت بالله ورسوله، كما كان يفعل الصحابة رضي الله عنهم إذا سمعوا النص من كتاب الله أو سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم يسرعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن معنى الآية أو الحديث، فإذا بين لهم ذلك أخذوه وانطلقوا يقولون: آمنا بالله ورسوله، أما أن ترد النص وترد العقل لأول وهلة لأنه اختلف مع عقلك، فتحسن الظن بعقلك وتسيء الظن بالله ورسوله، فهذا كفر بواح، بل أنت مأمور أن تقول: سمعنا وأطعنا، وهذه علامة وآية على إيمانك واستسلامك وذلك وخضوعك بين يدي الله عز وجل العليم القدير.
أول أصل من هذه الأصول: أن تقدم كلام الله ورسوله أولاً، وما أجمع عليه أهل العلم، وكل ذلك مقدم على عقلك وفكرك، أن تسلم دائماً لله، ولذلك كثير من أصحاب الفرق الضالة أوقعهم فيما وقعوا فيه تقديمهم لأهوائهم وقلوبهم وعقولهم وأمزجتهم وأذواقهم ووجدهم؛ قدموا كل شيء وأخذوا كلام الله وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، فاستحقوا أن يضرب الله تبارك وتعالى عليهم العقوبة القدرية الدنيوية، التي هي عقوبة من ضل عن السبيل؛ بأن يجعله كبني إسرائيل يسير في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا، أصحابه يظنون أنهم على الهدى ويدعونه إليه، تعال معنا، فيذهب معهم فتتجارى به الأهواء، حتى تدخل منه في كل عرق ومفصل فلا يستطيع أن يترك هواه، كما أن من وقع في شهوة صعب عليه جداً أن يترك شهوته، فالبدع شر في التمكن من القلوب والأفئدة والعقول من تمكن هذه الشهوات.
اللهم احفظ عقولنا بالإسلام اللهم احفظ عقولنا بالإسلام اللهم احفظ عقولنا بالإسلام اللهم إنا آمنا بك وبرسولك، وآمنا بكتابك وسنة رسولك، فاحفظنا عليها قائمين، واحفظنا عليها قاعدين، واحفظنا عليها إلى يوم الدين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.