والحالة الثالثة: أن يكون الفرد صفة للمتكلم، وأن يكون المتكلم به من العرب واحدًا، ولا يُسمع من غيره لا ما يُوافقه ولا ما يُخالفه.

فالفرق بين هذه الحالة والتي قبلها أن المتكلم في الحالة السابقة قد خالف ما عليه جمهور العرب، أما المتكلم في هذه الحالة فقد تفرَّد في شيء لم يرد عن العرب لا ما يوافقه ولا ما يخالفه. والحكم عن هذه الحالة متوقف على معرفة المتكلم، فإن كان المتكلم فصيحًا ثبتت فصاحته؛ وجب قبول كلامه ولا يجوز ردُّه.

وقد أفرد ابن جني في كتابه (الخصائص) بابًا في الشيء يُسمع من العربي الفصيح لا يُسمع من غيره؛ فقيد السماع الفرد بأن يكون صادرًا عن عربي فصيح، وذكر من أمثلته: الجبر، ومعناه: الملك، في قوله:

اسلم براوُوق حبيت به ... وانعم صباحًا أيُّها الجبر

ومن أمثلته أيضًا: البابوس، ومعناه: ولد الناقة، في قوله:

حنت قلوصي إلى بابوسها جزعًا ... فما حنينك، أم ما أنت والذِّكَر

بكسر الذال وفتح الكاف جمع ذكرة بكسر فسكون، وهي الذكرى بمعنى التذكر، ومن أمثلته أيضًا: المأنوسة، ومعناه: النار، في وقوله:

كما تطاير عن مأنوسة الشَّرَرُ

فهذه أحرف من الغريب الذي قال عنه الأصمعي فيما نقله ابن جني: "لا أعلم أحدًا أتى بها إلا ابن أحمر الباهلي" انتهى.

وحكم هذا النوع: أنه يجب قبوله لما ثبت من فصاحة ابن أحمر، فيكون الذي تفرَّد به إما أن يكون شيئًا أخذه عمَّن نطق به بلغة قديمة لم يُشارك في سماع ذلك منه، أو شيئًا ارتجله، أي: اخترعه وجاء به من عنده، وليس عجيبًا أن يرتجل الأعربي الفصيح ما لم يُسبق إليه؛ فقد حُكي عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015