وأما القسم الثاني: وهو المطرد في القياس والشاذ في الاستعمال: فالمراد به ما كان موافقًا لمقاييس العربية، ولكن السماع لم يردْ به، أو وَرَد السماع به على قلة، وله أمثلة متعدِّدة:
المثال الأول: الفعلان: وَذَر، وَوَدَع، فإنهما ماضيان من يَذَر ويدع، والقياس لا يمنع منه؛ لأن كل مضارع يستعمل منه ماضٍ إلا هذين الفعلين؛ فقد شذَّا عن نظائرهما، وانفردا عن بابيهما وغيرهما من الأفعال يأتي منه الماضي نحو: يرث فالماضي منه ورث، ويزن فالماضي منه وزن، ولكن العرب لم تستعمل الماضي من يذر ويدع؛ استغناء عنه بترك، يقول سيبويه في (الكتاب): "وأما استغناؤهم بالشيء عن الشيء، فإن هم يقولون: يدع، ولا يقولون: ودع، استغنوا عنها بترك"، ويقول في موضع آخر: "يدع ويذر على ودعت ووذرت وإن لم يُستعمل"، ويقول في موضع ثالث: "يقال: يذر ويدع، ولا يُستعمل "فعل" أي: لا يُستعمل الماضي منهما، فصار قول الذي يقول: "ودع" شاذًّا عن الاستعمال، ولا يُخرجه عن شذوذه أنه ورد في قراءة: "ما وَدَعَكَ ربك وما قلى" (الضحى: 3) لأنها قراءة شاذة، كما لا يخرجه عن شذوذه أنه ورد في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((اتركوا الترك ما تركوكم وذروا الحبشة ما وذروكم))؛ لأن الماضي قد ورد في هذا الحديث للمشاكلة".
المثال الثاني: قول العرب: مكان مبقل، فمبقل اسم فاعل من الفعل الرباعي "أبقل"، وهذا ما يقتضيه القياس؛ إذ إن اسم الفاعل من غير الثلاثي كما نعلم يكون بقلب حرف المضارعة ميمًا مضمومة وكسر ما قبل الآخر، ولكن كثر في الاستعمال قولهم: مكان باقل، فقد نقل ابن منظور عن الأصمعي قوله: "أبقل المكان فهو باقل من نبات البقل، وأورث الشجر فهو وارث إذا أورق" (لسان العرب) مادة: بقل،