الدليل، فإن المُخْلِد إلى التقليد لا يعرف وجه الخطأ من الصواب، ولا ينفك في أكثر الأمر عن عوارض الشك والارتياب" انتهى.
ومعنى ما قاله أبو البركات الأنباري: أن دراسة أصول النحو والوقوف على أدلة الاحتجاج تُعِين الدارس على إثبات الأحكام الموثقة بالحجة البينة، والدليل المعتمد؛ فيكون حكمه أبعد ما يكون عن عوارض الشك والارتياب، في حين أن من يعجز عن الوصول إلى الدليل والنظر، ويركن إلى التقليد من غير تحقيق أو تدقيق، أو إعمال فكر، أو إدارة بصر لا يعرف وجه الخطأ من وجه الصواب، ولا تخلص معلوماته عن شوائب الشك والارتياب.
ذكر السيوطي أن للنحو حدودًا شتَّى يريد أن حدود النحو كثيرة مبثوثة متفرقة في بطون الكتب، واختار من بين هذه الحدود ستة حدود لستة علماء من ستة مؤلفات؛ موضحًا أن أليقها بكتابه -أي: أحسنها، وألصقها، وأقربها إلى تحقيق الغرض من تأليف كتابه- هو قول ابن جني في (الخصائص): "هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب، وغيره كالتثنية والجمع، والتحقير، والتكثير، والإضافة، وغير ذلك؛ ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، وأصلها -يعني: النحو- مصدر نحوت بمعنى قصدت، ثم خُصَّ به انتحاء هذا القبيل من العلم، كما أن الفقه في الأصل مصدر فقهت بمعنى فهمت، ثم خُصَّ به علم الشريعة" انتهى.
ونلحظ أن السيوطي قد تصرف في النقل عن ابن جني تصرفًا يسيرًا بالإيجاز غير المخل؛ خشية الإطالة على القارئ، ورغبة في الوفاء بما ذكره في مقدمة